في الذكرى الخمسين المجزرة الإندونيسية والدور الأمريكي
حدثت المجرزة في إندونيسيا ابتداء من 1 تشرين الأول ،1965 أي قبل نصف قرن ونيف. خلال بضعة أشهر كانت أنهار ذلك البلد الكثيف السكان في جنوب شرق آسيا مسدودة بالجثث.. ذهب الجيش من جزيرة إلى جزيرة ومن قرية إلى قرية طالباً من التابعين المحليين جمع من لهم أية علاقة بالحزب الشيوعي الإندونيسي أو المنظمات الجماهيرية للعمال والفلاحين والنساء والشباب المتفرعة عنه، التي كانت تطالب بالعدالة والمزيد من المساواة.
وعندما حددت هويتهم قُتلوا على الفور أو أرسلوا إلى معسكرات اعتقال. تراوحت تقديرات الصحافة الغربية لعدد ضحايا حمّام الدم الطويل في تلك الأشهر، والتي ذكرت دون انفعال، بين 300 ألف ومليون. لن تسمع عن أي من ذلك في قصص الخدمة الذاتية التي تقدم حكومة الولايات المتحدة وجيشها مدافعين عن الحرية والديمقراطية في العالم، ولكن الولايات المتحدة كانت منخرطة بعمق في تلك الأحداث، حتى وهي توسع حربها الاستعمارية الجديدة في فيتنام وكامبوديا ولاووس في الوقت نفسه.
انتشل إندونيسيون شجعان وبعض الباحثين الغربيين في الأعوام الأخيرة نتفاً من هذا التاريخ الرهيب، استند الفيلمان الوثائقيان للمخرج جوشوا أوبنهايمر (عملية قتل) في عام 2012 و(نظرة الصمت) في هذا العام- إلى مقابلات مع إندونيسيين نفذوا بعض أعمال القتل وما زالوا يتفاخرون بها، وكذلك مع أفراد أسر ضحاياهم.
يقول أوبنهايمر إن العمل على الفيلمين كان يشبه الذهاب إلى ألمانيا النازية بعد أربعين عاماً، والعثور على الأشخاص أنفسهم في السلطة.
قابلت الصحفية كاتي كادان في عام 1990 مسؤولين سابقين في وزارة الخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية، وهؤلاء لم يعترفوا فقط بأن الولايات المتحدة أعطت لوائح بأسماء آلاف الأعضاء في الحزب الشيوعي الإندونيسي، للجيش الإندونيسي وقت القتل، بل حاولوا تسويغ ذلك. (شيكاغو تريبيون في 23 أيار 1990).
معارضة في الولايات المتحدة
كانت هناك معارضة نشطة في الولايات المتحدة وقت القتل. فقد نظمت (شبيبة ضد الحرب والفاشية)، وهي التنظيم الشبيبي لحزب عالم العمال، مظاهرات ضد دور الولايات المتحدة في تلك المجازر، وكشفت ما كان يحدث في إندونيسيا عبر مقالات في صحيفة الحزب. ونظمت (شبيبة ضد الحرب والفاشية) أيضاً استجواباً عاماً في جامعة كولومبيا شارك فيه ألف شخص، ووضعت هذه الجماعة إعلاناً عن الاستجواب في الطبعة الدولية لصحيفة (نيويورك تايمز)، كي يرى العالم أنه توجد في الولايات المتحدة معارضة للجرائم الفظيعة التي ترتكبها واشنطن بالتواطؤ مع عصبة من الجنرالات اليمينيين الإندونيسيين.
أرسل عالم الرياضيات والفيلسوف الشهير برتراند راسل رسالة إلى الاستجواب بالنيابة عن مؤسسة السلم التي يرأسها، وكان اثنان من ممثليه يحضران مؤتمراً في جاكارتا وقت الانقلاب.
كتب راسل: (قلة فقط لديها أي شك حول ما يجري.. كان الأسطول السابع الأمريكي في مياه جاوة.. وأمرت أكبر قاعدة في المنطقة، بنتها الولايات المتحدة على الجزيرة الأكثر جنوبية في الفيلبين، بأن تكون (في حال تأهب)، وكانت لدى الجنرال ناسوتيون مهمة في واشنطن. كانت الولايات المتحدة منخرطة مباشرة في الأحداث اليومية). واصلت (شبيبة ضد الحرب والفاشية) الاحتجاج ضد الإبادة الجسدية المروعة لليسار الإندونيسي الذي بلغ تعداده قبل الانقلاب عشرين مليون إنسان على الأقل، ثلاثة ملايين عضو في الحزب الشيوعي الإندونيسي و15 إلى 20 مليون ناشط في جماعات حليفة مختلفة.
ثمة لاعب مهمّ في تعامل إدارة ليندون جونسون مع الجنرالات الإندونيسيين هو نائب الرئيس هوبرت همغري، الذي قدمت سمعته كـ(ليبرالي) غطاء جيداً لاتصالاته السرية مع وزير الخارجية الإندونيسي آدام مالك. أخبر مالك الصحفية ماريان مينس من صحيفة (وورلد جورنال تريبيون) أن همغري لعب دوراً سرياً، ولكنه مهم، في تشجيع (القوى الديمقراطية) في إندونيسيا، أي الجنرالات القتلة. (وورلد جنرال تريبيون في 28 أيلول 1966).
رفض معظم قادة الحزب الشيوعي الإندونيسي التنازل أو التذلل أمام الجنرالات الفاشيين، وتحدثوا جهاراً وبقوة في (المحاكمات) الزائفة التي سبقت إعدامهم، ولكن الحركة اليسارية العالمية كانت غائبة على نحو مؤلم في دعمهم. ومعظم ذلك بسبب الأزمة الداخلية التي حدثت في الحركة الشيوعية مع الانشقاق الصيني – السوفييتي. كانت آثار هذا الانشقاق قاسية على الحركة العالمية، ففي كل بلد تقريباً انقسمت الأحزاب إلى أجنحة مؤيدة لموسكو وأجنحة مؤيدة لبيجينغ، ولم يكن الحزب الشيوعي الإندونسي مستثنى، كما لم تكن الأحزاب في البلدان الإمبريالية نفسها، وبدلاً من التعبئة للدفاع عن الحزب الشيوعي الإندونيسي واليسار في إندونيسيا، ألقت الأجنحة المتعارضة كل على الآخر باللوم عن الهزيمة.