الذكرى السنوية لتأبين الحبّ

 كان الرومان يحتفلون بعيد يدعى (لوبركيليا) في 15 شباط(فبراير) من كلّ عام، وفيه عادات وطقوس وثنية، فكانوا يقدمون القرابين لآلهتهم المزعومة كي تحمي مراعيهم من الذئاب، وكان هذا اليوم يوافق عندهم عطلة الربيع، فقد كان حسابهم للشهور يختلف عن حساباتنا حالياً، ولكن حدث ما غيّر هذا اليوم ليصبح عندهم 14 شباط(فبراير) في روما في القرن الثالث الميلادي، وبعد ميلاد المسيح كان الدين النصراني في بداية نشأته، وحينذا ك كان يحكم الإمبراطورية الرومانية كلايديس الثاني الذي حرّم الزواج على الجنود حتى لا يشغلهم عن خوض الحروب، لكن القدّيس (فالنتاين) تصدّى لهذا الحكم وكان يتم عقود الزواج سرّاً، ولكن سرعان ما افتضح أمره وحكم عليه بالإعدام، وفي سجنه وقع في حبّ ابنة السجان وكان هذا سرّاً، إذ  يحرّم على القساوسة والرهبان في شريعة النصارى الزواج وتكوين العلاقات العاطفية، فثباته على النصرانية هو ما شفع له، وقد عرض عليه الإمبراطور أن يعفو عنه على أن يترك النصرانية ليعبد آلهة روما ويجعله صهراً له، إلا أنّ (فالنتاين) رفض هذا العرض فنُفّذ فيه حكم الإعدام في 14 شباط(فبراير) عام 270 ميلادي ليلة 15 شباط(فبراير) عيد (لوبركيليا)، ومن ذلك اليوم أطلق عليه لقب قدّيس، وبعدذلك انتشر في أوربا على أن 14 شباط هو عيد القديس (فالنتاين) إحياءً لذكراه، وبات من طقوس ذاك اليوم الورود الحمراء وبطاقات بها صور (كيوبيد).. إلخ. وسرت العادات على اعتبار هذا اليوم عيداً للحب، وهذا إهانة للقديس فالنتاين الذي كان مناصراً للعاطفة والمشاعر الإنسانية، لأن العيد اليوم ليس إلا تشويهاً للعاطفة الحقّة ومتاجرة بالمشاعر.

فأين الحب في زماننا هذا؟ في الزمن الذي أمست إحدى أهمّ سماته الحرب والقتل والذبح والدم ؟

أين الحب؟

وبدل أن نعطي حباً لقلوبنا، أضحينا نأكلها نيّئة مثل وحوش الغابات.

لو كان هنالك حبٌّ فعلاً فلمَ إذاً اختلقنا عيداً لاستحضار الحبّ؟

فهذا يعني اعترافاً منّا أن ثمة حبّ مات نقوم بإعادة إحياء ذكراه لربما نصدّق فعلاً أنه مازال هذا الحبّ متداولاً بين الناس، نقوم فيه بالكذب على أنفسنا بالمتاجرة بتلك الهدايا الباهظة الثمن لتكون وكأنها قرابين لهذا العيد المزيّف الذي استعار اسم عيد الحبّ ليكون إلهاً ضعيفاً لم يعد يقوى على حماية الحب الذي يتظاهر به الناس في الذكرى السنوية لتأبين ذاك الحبّ..

العدد 1140 - 22/01/2025