كيف ينتظر المجنون اليوم الذي يحبه؟!
أتعرفين كيف أنتظر يوم الأربعاء، نعم، يوم الأربعاء الذي أحبه؟!
أستيقظ صباح الخميس، وأتمطى، فأي سعادة كانت أمس بإطلالتك قرب نافذتي!
أخرج إلى الشوارع. أغني على قارعة الطريق. أقف عند كل جدار وأكتب بقلم الرصاص حروف اسمك الثلاثة!
عند المساء.. تتعبني المشاوير، وأحنّ إلى الأحلام، فأنام على صورة الضحكة المفرحة على وجهك الذي شاهدته قبل يوم واحد فقط.. وفي أحلامي تتواجه المرايا مع العيون السوداء والشفاه الجميلة وأطباق الورد الملونة وصور الطيور الذاهبة في رحلات لا تنتهي بعيداً بعيداً!
في يوم الجمعة، أستعيد أحلامي، وأعرف أنها أشياء مما يرى النائم، فأجلس وحيداً، حزيناً، كئيباً، أعدّ الأيام الباقية: السبت، والأحد، والاثنين، والثلاثاء.. يا إلهي.. كم هي طويلة.. طويلة.. طويلة تشبه الدهر!
وأقنع نفسي: (أربعة أيام.. يجب أن تمضي سريعاً!).
أخصص يوم السبت للكتابة عنك. السبت بطوله، من الصباح إلى المساء.. أكتب، وأمحو، وأكتب، وأمحو، وأكتب وأكتب إلى أن تتجسدي أمامي…
أخصص يوم الأحد لأتعلم رسم ضحكتك.. أستعيدها.. نعم، أجمل ضحكة في العالم، أستعيد همسها، وأستعيد صوتها، ثم أستعيد وهجها.. ثم رائحتها.. نعم رائحتها، ما أجمل رائحة تلك الضحكة القادمة من غيم أبيض ثلجي يشبه الزهر التشريني الفواح بعبق يفتح مسام صدري، ثم أستلقي لأبحث طويلاً عن سرّها!
أما يوم الاثنين، فأشعر بالبهجة: أبدأ منذ الصباح بتعداد الأثواب التي ترتدينها، البناطيل الضيقة والفساتين الواسعة والقمصان النظيفة المرتبة، وأسأل نفسي: (أيّ ثوبٍ أجمل؟!) فإذا الأثواب كلها جميلة، كلها.. كلها.. كلها.. أتعرفين سرّ جمالها؟ أنت!
أما يوم الثلاثاء، فأجلس منذ الصباح.. بقلب عجوز يخفق متعباً.. أنتظر الساعات الباقية ليوم الأربعاء.. الساعات الباقية للمهرجان.. الساعات الباقية لأراك. في يوم الثلاثاء أتحول إلى عجوز محنيّ الظهر.. يلهث من التعب.. عجوز انتظر أسبوعاً، فحنى ظهره كانتظار خمسين عاماً عند تخوم اللقاء!
أما في يوم الأربعاء، وبينما أنا أقف عند نافذة طابق عال عال.. تمرّين كحمامة بيضاء بعينين مشعّتين زيّنهما الكحل، وشفتين متّقدتَين صبغهما اللون الوردي ووجه سحري التكوين.. حمامة تصفق بجناحيها بأناقة طفل خرج واثقاً بثوبه النظيف للعيد، فلا هي تقف لتحكي، ولا أنا أقفز لأمسك بها، ولا الهواء يكفيني لأتنفس بكل قوتي لأناديها، لأناديك بحروف اسمك الثلاثة!
عندما ينتهي يوم الأربعاء..
نعم،
عندما ينتهي يوم الأربعاء، وقد مضت الحمامة إلى عشّها، وارتمت يداي عند النافذة باستسلام، عندئذٍ أكتب على ورقة صغيرة سؤالاً متجدداً متفائلاً طموحاً يشبه نشيداً لطفل صغير حفظه في أول أيام المدرسة.
أكتب السؤال، وأحاول أن أرسله إليك، أحاول أن أطيّره إليك كما يفعل الحمام، وأظنه لن يصل، كما أتصور، فأناشيد الأطفال لا يرددها الكبار، وأناشيد الصغار لا تستجلب إلا الربت على الكتف، ويكون السؤال:
أتعرفين كيف أنتظر يوم الأربعاء؟!
(من أوراق مجنون)