المجتمع الدولي يبحث عن حل سياسي في سورية وبعض العرب يذكي النار

أليس عجيباً أن نرى دولاً نافذة غربية ودولاً نفطية تتدخل في الشأن السوري، وتدفع دولاً إقليمية للتورط في ذلك، ويطلق مسؤولوها تصريحات تدافع عن«حقوق الشعب السوري» وترسم له مستقبله، ويتم ذلك خلافاً لميثاق الأمم المتحدة، ولميثاقَيْ حركة عدم الانحياز وجامعة الدول العربية، ودون النظر إلى أن سورية بلد مؤسس في هذه المنظمات ومساهم في إعداد مواثيقها؟

والأعجب أن أكثرية المجتمع الدولي ممثلة في دول دائمة العضوية في مجلس الأمن، ودول مجموعة »بريكس«، وحركة عدم الانحياز في قمتها الأخيرة بطهران، ومجموعة اتفاق جنيف، أكدت ضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة السورية استناداً إلى خطة كوفي عنان ذات النقاط الست، التي سيتابعها خلفه المبعوث الخاص الأخضر الإبراهيمي، واستبعدت إمكان التدخل العسكري أو فرض إجراءات تمس سيادة الدولة السورية مثل الحظر الجوي أو المناطق العازلة، لكن بعض العرب، وفي المقدمة دول مجلس التعاون الخليجي ومصر، تواصل عبر تصريحات كبار مسؤوليها التحريض لإذكاء نار الفتنة الداخلية وتوسيع دائرة العنف، وتعمل على دعم المعارضة بالمال والسلاح والمعلومات الاستخبارية، وتدريب المسلحين والتغاضي عن دخول مجموعات من تنظيم القاعدة والمنظمات التكفيرية إلى سورية، وتعطي نفسها حق الحكم على شرعية الدولة السورية، وحق التحدث باسم الشعب السوري وخياراته، وحق تجاهل مجازر المجموعات المسلحة وإرهابها الوحشي.

ولاحظنا أن كل خطوة دولية أو إقليمية أو عربية لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، تقابل بخطوة سريعة معادية ومعرقلة. فبعد إقرار اتفاق جنيف لحل الأزمة، بمشاركة الأعضاء الدائمين الخمسة في مجلس الأمن والدول المعنية بالشأن السوري، سارعت مجموعة «أصدقاء سورية» إلى عقد اجتماع في باريس بتشجيع من تركيا والسعودية وقطر، وبغطاء أمريكي فرنسي بريطاني، تنصّل فيه المجتمعون من اتفاق جنيف، وتجاهلوا مضمون خطة عنان المعتمدة من مجلس الأمن، ودعوا إلى تسليح المعارضة ودعمها بالمال، وحرضوا موظفي الدولة وجنودها على الانشقاق، وحرضوا الأهالي على تفريغ المناطق الحدودية والهجرة إلى الدول المجاورة لسورية، وطلبوا من حكومات هذه الدول إقامة مخيمات للاجئين على أراضيها. ولم يكتف المجتمعون بهذا القدر من انتهاك المواثيق الدولية، بل أرسلوا مجموعات استخبارية وقناصين محترفين لمساعدة مسلحي المعارضة من جهة، وللبحث عن أماكن تخزين الأسلحة الكيميائية أو عن أي ذريعة يمكن استخدامها لتبرير تدخل عسكري خارجي لتغيير النظام بالقوة.

أما الخطوة الشبيهة بالطعنة في الظهر فقد جاءت بعد قمة طهران لحركة عدم الانحياز التي تبنت خيار الحل السياسي للأزمة السورية، وأكدت عدم شرعية العقوبات المفروضة على كل من سورية وإيران، وأقرت العمل على مبادرتين عراقية وإيرانية، ركزتا على ضرورة وقف العنف وبدء حوار بين الحكومة السورية والمعارضة وبمساعدة إقليمية ودولية.

فبعد القمة بأيام انعقد مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية، بغياب سورية، التي دافع عنها الأصدقاء وطعنها «الأشقاء»، وتبارى مسؤولو مصر والسعودية وقطر في إظهار «الحرص على الدم السوري»، وفي تجهيز «إملاءات» للمبعوث الخاص الأخضر الإبراهيمي، وفي «دعوة القيادة السورية للرحيل»، وفي إظهار الدعم للمعارضة المسلحة.

ونعتقد أن بناء مواقف خارجية إقليمية ودولية وفق هذا المنظور الضيق من رؤية المصالح الضيقة، أو استناداً لإملاءات من هذه الدولة الثرية النافذة، أو وفق حسابات تمليها اعتبارات إبعاد الأزمة وتصديرها إلى خارج الحدود، لا تستقيم مع المواثيق والمبادئ التي صيغت منذ عقود، ولا تنسجم مع المعايير الأخلاقية والإنسانية التي تقدم مصلحة استقرار الشعوب وأمنها على الأرباح والنزعات التسلطية، ومشاريع الهيمنة والتفكيك والاحتواء، ولا تقود إلى حلول ناجعة للأزمات، وما أكثرها، في منطقة الشرق الأوسط. ويمكن في الوقت نفسه أن تهدد بانهيار اتفاقات وتفاهمات بذل المجتمع الدولي وخبراء الدبلوماسية جهوداً جبارةً للتوصل إلى إقرارها وتنفيذها.

ونرى أن الحراك الدولي الذي جرى داخل أروقة الأمم المتحدة وأفضى إلى تكليف الأخضر الإبراهيمي بمواصلة جهود سلفه عنان، والبحث عن حل سياسي للأزمة السورية، واللقاءات التي جرت على هامش قمتَيْ عدم الانحياز وأبيك بين الدول المعنية بالشأن السوري، وتوجه أطراف في المعارضة السورية إلى عقد لقاء في دمشق يمهد لبلورة رؤيتها لحل سياسي، تشكل أساساً لنقلة نوعية تقطع الطريق على التدخلات المباشرة وغير المباشرة في سورية، وتشكل رداً على المراهنين ومؤججي نيران الفتنة والمهللين لاتساع دائرة العنف، وتضع على عاتق دائرة القرار في سورية مهمة إدارة الأزمة بحنكة، والإفادة من جهود القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني والخبرات الأهلية لاجتياز هذا المنعطف الصعب، والتأسيس لشراكة حقيقية في وطن سيد موحد ومستقر.

العدد 1140 - 22/01/2025