مؤتمر جنيف 2 ومستجداته مرة أخرى
ثمة دلائل عديدة على أن الاجتماعات المتتالية لوفد ما يسمى ب(الائتلاف السوري المعارض) بدءاً من محطته الفرنسية مع الرئيس فرانسوا هولاند، قبل أيام قليلة، إلى لقاء أعضاء مجلس الأمن الدولي، الذي يندرج ضمن صيغة (أريا) التي تسمح لأعضائه بلقاء غير رسمي في مقر المجلس أو مقاطعته، تؤشر بمجموعها إلى موقف يفترض بهذا الائتلاف إقراره عملياً، ويتلخص في الموقف الرسمي والنهائي له من عقد مؤتمر جنيف 2.
ورغم أن اجتماع إسطنبول الأخير، وما رافقه من تغييرات في الهيئات القيادية للائتلاف، لصالح ترجيح التمثيل السعودي، على حساب الدور القطري، وتراجعه الاضطراري، وانعكاساته، والذي ترافق مع حضور صف واسع من السفراء الغربيين السابقين في دمشق (روبرت فورد السفير الأمريكي) و(إيرك شوفالييه السفير الفرنسي) إلى جانب السفير البريطاني جوناس ويلكس، قد توصل من جملة الأهداف التي خلص إليها، إلى ضرورة تحديد موقف واضح لهيئات هذا الائتلاف من موضوعة عقد مؤتمر جنيف ،2 وتالياً حضوره.
وإذا كان بيان اجتماع إسطنبول الأخير (رغم هذا الحضور الدولي والإقليمي) لم يشر صراحة، لأسباب عديدة آنية، إلى موضوعة المشاركة في مؤتمر جنيف ،2 فإن الكثير من المعطيات كانت تؤشر بوضوح، ومازالت، إلى أن مسألة حضور هذا المؤتمر هي المعضلة الأساسية في العملية الانتخابية، التي شهدت تقارباً كبيراً في تركيبة الهيئات القيادية لهذا الإطار.
فاللقاء الذي أدى إلى (تفاهم) موسكو الروسي – الأمريكي حول ضرورة عقد جنيف 2 استناداً إلى وثيقة جنيف 1 في حزيران العام الماضي، قد تأخر (قليلاً)، وأشارت الخارجية الروسية مراراً على لسان رئيس ديبلوماسيتها سيرجي لافروف، وفي أكثر من مناسبة، إلى أن الكرة في ملعب الآخرين (أصدقاء واشنطن وأدواتها).
كما أعلن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، المستشرق ومبعوث الخارجية الروسية إلى المنطقة، أكثر من مرة، أن هذا المؤتمر كان يجب أن يعقد العام الماضي، مؤكداً تصريحات العديد من المسؤولين الروس، وخاصة بعيد قمة الدول الثماني الصناعية الكبرى الأخيرة، التي عقدت في إيرلندا، أن لا حل عسكرياً للأزمة السورية، وهذا ما أكده فعلياً بيان إسطنبول الأخير للائتلاف، رغم التصريحات (العنترية) الاضطرارية للعديد من قياداته (الجديدة) الذي خلا عملياً من لغة التهديد والتغيير الإرادوي الخارجي، وخفف مضطراً وإلى درجة كبيرة من مسألة تغيير موازين القوى العسكرية قبل الدخول في (العملية السياسية) أيضاً، رغم استمرار بعض التصريحات هنا أو هناك لاعتبارات عديدة، فضلاً عن زيارات الرئيس الدوري الجديد لهذا الائتلاف أحمد الجربا، الذي جاء انتخابه نتيجة مساومات دولية وإقليمية أولاً، وقبل أي شيء آخر، إلى العديد من العواصم الإقليمية والغربية المنشغلة بالأزمة السورية، وخاصة محطتَيْ باريس والأمم المتحدة مؤخراً، وانتفاء موضوعي التسليح للمجموعات الإرهابية المسلحة- على كثرته ومصادره المتعددة- وضرورة إحداث تغيير في موازين القوى (الداخلية) السورية.. وهذا ما سمعه الجربا بوضوح من الرئيس الفرنسي، الذي أكد ضرورة المساعدة (الإنسانية) و(المادية)- رغم ملاحظاتنا حولها، والمرتبطة إلى درجة كبيرة رسمية فرنسية داخلية أولاً ودولياً ثانياً. كذلك الإشارات البريطانية المتعددة وخاصة على لسان وزير خارجيتها وليم هيغ، حول عدم نية البلدين (فرنسا، وبريطانيا) صقرا الاتحاد الأوربي، إمداد المجموعات المسلحة المتطرفة بالأسلحة، رغم ملاحظاتنا حول تقاسم هذه المسألة مع أطراف إقليمية- (عربانية) عديدة. وجاء كلام كيري مؤخراً قبل أيام قليلة في الجلسة غير الرسمية لمجلس الأمن الدولي، حول ضرورة الحوار والحل السياسي للأزمة السورية، والإقرار الرسمي الأمريكي بأن لا حل عسكرياً لهذه الأزمة.
لا ننفي هنا ولا نتجاهل أيضاً الصعوبات التي واجهتها ولا تزال سورية، في سياق تعاطيها مع الأزمة السورية- الكونية من جهة، كما لا نغفل أيضاً التطورات السورية التي تلخصت ولاتزال في حجم الإنجازات التي تحققها سورية دولة وجيشاً وشعباً وأحزاباً ضد محاولات تكرار سيناريوهات (الربيع العربي) المأزومة، وخاصة في مصر وتونس، فضلاً عن الأزمة الليبية المستفحلة.
بعد أكثر من عامين على بدء الأزمة السورية وافتعالها، التي أثبتت خصوصيتها وفرادتها وطنياً وإقليمياً ودولياً أيضاً.. عانت سورية ولاتزال تبعات هذا التدخل الخارجي وأدواته المحلية، التي بات مرفوضة شعبياً، ويزداد حجم الرفض لها، كذلك النقمة الجماهيرية تجاهها، وأن موضوع التغيير والإصلاح والديمقراطية وغيرها من الشعارات باتت ممجوجة وغير مقنعة، وأن الهدف الرئيسي والحقيقي فيها يتلخص في إشغال سورية بقضايا داخلية، كان حلها ولايزال ممكناً عبر الحوار والحل السياسي، لما فيه مصلحة سورية وطناً وكياناً، وأن فشل هذا المخطط يقر به الآخرون على اختلاف توجهاتهم وسياساتهم أيضاً، وأن الحل الصحيح والوحيد والممكن يتلخص في الحوار والحل السياسي، وفي توافق السوريين (الوطنيين) على تبايناتهم أو سياساتهم حول سورية والحفاظ على دورها وتوجهها ونهجها الوطني أيضاً. أما القضايا الأخرى، على أهميتها وخصوصيتها، فإنها مثلت حججاً وذرائع للآخرين، وبضمنهم للأسف أدوات سورية أو غرباء مرتزقة، تؤكد الوقائع اليومية، وبخاصة تخريب البنى التحتية للدولة السورية، وإنهاك الاقتصاد الوطني، وإرهاب المواطنين والمساس بأمنهم الوطني والفردي، أنها أصبحت مكشوفة وممجوجة أيضاً.. وأن الديمقراطية الحقيقية، على أهميتها وضرورتها، كذلك التعددية السياسية لا تمر عبر هذا الطريق المدمّر لسورية وطناً وشعباً. أما مسألة عقد مؤتمر جنيف 2 الذي أيدته سورية مبكراً، وحاولت بعض (المعارضات) وبخاصة الخارجية منها، التملص منه، أو تأجيله وعرقلته، يتهاوى ويتراجع بسبب من الصمود السوري أولاً، ومن اتساع دائرة التأييد الدولي الإيجابي لحل الأزمة السورية سلماً ثانياً.. ومن حراجة مواقف الآخرين الذين اعتقدوا أن دمشق لقمة سائغة كما غيرها، ولو مؤقتاً.