مكافحة الإرهاب.. ليست مسؤولية السوريين وحدهم!

تؤكد المتغيرات السورية المتلاحقة أن مسألة القضاء على العنف والتخريب والتكفير، لم تعد شأناً سورياً بحتاً، وأن القضاء عليه باتت مسألة أكثر من سورية، وتمس المنطقة بأسرها.. وأن هذا المسلسل التخريبي الممنهج والهادف إلى إضعاف سورية، بلداً وشعباً وكياناً، لن ينتصر على سورية، وإنما سيؤدي إلى ضعضعة المنطقة بأسرها.. هذا ما ستتأثر به دولها وكياناتها أيضاً، فضلاً عن تبعاتها الكارثية على شعوبها أيضاً.

دخلت سورية منذ أسابيع عامها الرابع من أزمة أريد لها أن تشغلها عن دورها الوطني والعروبي والقومي، وفي حدود ليست قليلة عن دورها الدولي أيضاً، في معادلة الصراع والتباين والتناقض القائم، والذي تشكل سورية إحدى حلقاته الإقليمية الهامة.

ويظهر التكالب الدولي والمحلي والمؤامرة التي تشارك فيها رسمياً وعلناً 83 دولة، تأكيداً واضحاً للهدف المرجو منه، وعنوانه الرئيس تغيير ما هو قائم في سورية اجتماعياً، اقتصادياً وسياسياً أيضاً.

وإن كانت سيناريوهات ما يسمى (ثورات الربيع العربي) قد بدأت أزماتها تظهر وتتفاعل، بدءاً من سقوط نظام الأخونة في مصر، إلى (اضطرار) تونس لإجراء تعديلات حكومية أطاحت بحكومة حركة النهضة الإخوانية لصالح القوى الحية التي ساهمت فعلياً في إسقاط نظام بن علي، مروراً بما آلت إليه الأوضاع الليبية الكارثية دولة وكياناً، فإن الأعوام الثلاثة  الماضية أكد متانة دمشق وقدرتها على تخطي صعوباتها، رغم هذا الحجم الكبير من الدول والحركات والقوى المشاركة فيه.

كما أظهرت في الوقت نفسه مدى الهشاشة والتشرذم للقوى (المفترض) أو المراد منها والمخطط لها أن تشكل بديلاً للحالة الوطنية القائمة شعباً وكياناً ودولة وأحزاباً وطنية، بكل ما تعنيه هذه المصطلحات من فحوى ونهج، أريد منه أن يشكل مدخلاً لتغيير مخطط يتجاوز الحالة السورية، على أهميتها وخصوصيتها أيضاً.

وأكدت بمجموعها أن مسألة محاربة الإرهاب ومكافحته والقضاء عليه، لم تعد مسألة سورية بحتة، رغم أن مسرحها الحالي هو سورية، وأنه إذا ارتضت أو قبلت العديد من الرموز اللاوطنية عملياً، أن تشكل أدوات رخيصة في سياق تنفيذها.. وأن ما طرحته سورية مبكراً ومنذ الأسابيع الأولى لما سمي زوراً بالاحتجاجات السلمية (أحداث درعا منتصف آذار 2011)، كان مخططاً له، أن يتجاوز هذه اللافتة، وإشغال البلاد وإدخالها في دوامة صراع داخلي لافتته: الديمقراطية وما رافقها من صيغ، ربما خدعت البعض، أو تعاطى معها البعض الآخر بسذاجة، فيما أظهرت الحقائق وماتزال أن المشروع أكبر بكثير من هذه العناوين ومن هذه اللافتات.

ومثّل الصمود الوطني السوري (دولة، كياناً، شعباً، أحزاباً وطنية)، أن غالبيته الساحقة أدركت مبكراً أيضاً هذه الشعارات واللافتات (المشروخة)، وأن الهدف يتلخص في تغيير نهج هذا البلد واتجاهه وسياسته أولاً وأخيراً.. أما مسائل الديمقراطية والتغيير السلمي.. إلخ من هذه اللافتات، فقد تكشفت مع تحولها إلى حرب هدفها الأساسي تخريب البلاد ومؤسساتها العامة والخاصة، ومحاولة إعادة سورية إلى عصور الكهوف المظلمة، بما تحمله هذه الكلمات من معنى اجتماعي وتغيير في العلاقة الإقليمية، يهدف أولاً وقبل أي شيء آخر إلى إحلال توجه سوري آخر مغاير للحالة القائمة، بغض النظر عن ملاحظات جوهرية هنا وهناك تمس كيفية تحصين البلاد وتطورها وتجاوزها لمحنتها وأزمتها منذ أكثر من ثلاث سنوات، لا بل منذ أن انتهجت سورية خيارها الوطني، كما أكدت ذلك هذه السنوات الثلاث الكارثية، وما أحدثته من خراب ودمار مسّ البشر والشجر والحجر، وكشفت في الوقت نفسه زيف التغني بمسألة الديمقراطية، وأفرزت أيضاً (معارضات) متعددة، بعضها مرتبط ويعيش وهماً مزرياً غريباً عن سورية ومكوناتها، وبعضها الآخر وطني، يرفض حتى تاريخه التدخل الخارجي في شؤونها الداخلية، كما يتبنى في العديد من أطروحاته قضايا تطالب بها العديد من القوى الوطنية السورية البرلمانية وغيرها أيضاً. في الوقت الذي أكدت فيه تجربة السنوات الثلاث مراراتها وما سببته في البلاد من خسارة وطنية وخاصة، يصعب حالياً تقديرها، فضلاً عن إشغالها بقضايا محددة ومخطط لها سلفاً. وأكدت أن الحالة السورية تعيش حراكاً بات جلياً، ولكل ذي بصيرة، بين عصابات ومجموعات تكفيرية غريبة عن النسيج الاجتماعي والسياسي السوري، هدفها التخريب والتدمير وإشاعة أجواء من عدم الاستقرار والأمان الذي عاشته سورية، وتميزت بفضله عن الدول الأخرى في منطقة تعج بالتباينات والتناقضات. وأن هذه العمليات الإرهابية – الجهادية، لم تعد أيضاً سورية بحتة، بل وجدت امتداداتها، وهذا منطقي وطبيعي، في دول الجوار السوري، ويخطط لتوسيع دائرة نشاطاتها إلى ما هو أبعد من الوضع السوري وجواره أيضاً. وإن كان البعض قد (اكتشف) مؤخراً، ولأسباب عديدة، ماتؤكده بيانات وزراء الخارجية والداخلية والعدل للعديد من هذه الدول، وبخاصة الأوربية منها، التي باتت تدرك ارتدادات الحالة السورية، ليس على سورية فقط، إنما على شبكة العلاقات الدولية بتشعباتها وإشكالياتها أيضاً..

فإن القضاء على قوى الإرهاب ومجموعاتها وعصاباتها الجهادية، لم تعد مسألة سورية أو وطنية تخص دولة بذاتها، بل تعدتها، حتى تاريخه، إلى جوارها، وأن هذه الانعكاسات قد بدأت تظهر في العديد من الدول التي دعمت هذا (النضال الديمقراطي) في بداياته على الأقل، دون أن تدرك تبعاته اللاحقة، وإن حاولت تجاهله وتجاهل أسبابه وتداعياته راهناً على الأقل.

وأدركت أن الذي يجري في سورية ومكوناتها، سيكتوي بنتائجه عاجلاً أم آجلاً الكثيرون، وأن المسألة التي تؤرق الآخرين حالياً، ستزعجهم دولياً، وتؤسس للأسباب الجهادية التفكيرية نفسها أيضاً. وهذا ما بات يتطلب من (المجتمع الدولي) وما يمثله راهناً، التعاطي جدياً وبمسؤولية مع مسائل لم تعد على الإطلاق سورية صافية، وأن التناقص الحاد والواسع في عدد الدول التي دعمت زيف الديمقراطية ولافتاتها، مؤشر واضح على هذا التغيير الدولي إيجاباً.. كذلك ترافقه مع إنجازات سورية وطنية ساهمت في حدود ليست قليلة، وإن لم تكن حاسمة، في منع امتداد (الزيف العربي) أو الشرق الأوسط الأمريكي الجديد، بصيغه وتجلياته المتعددة الأشكال، وفي كيفية التعاطي معه استناداً إلى الرؤية الوطنية السورية، وتبيان مخاطر انتشاره إقليمياً أيضاً.

 

العدد 1140 - 22/01/2025