سورية… والاستحقاق الانتخابي الرئاسي
ينظر إلى الانتخابات (الرئاسية، البرلمانية، البلدية.. إلخ)، كذلك الاستفتاءات الشعبية التي تجريها الدول المختلفة في عالمنا، على أنها أحد تجليات العملية الديمقراطية، وتالياً تبعاتها المفترضة.. وينظر بخصوصية إلى الانتخابات الرئاسية السورية المقررة في الثالث من حزيران القادم، لأنها تجري في ظل أوضاع بالغة التعقيد، تتلخص عناوينها في استمرار الأزمة السورية منذ أكثر من ثلاث سنوات، وفي التدخل (الإقليمي) و(الدولي) فيها، فضلاً عن التدخلات المعلنة وغير المعلنة للعديد من دول الجوار أيضاً. وتزداد خصوصية هذه الانتخابات لأنها تجري بعد تعديل الدستور والاستفتاء الشعبي عليه في 26 شباط 2012 وفي ظل استمرار التصدي للمجموعات والعصابات التكفيرية في العديد من المناطق السورية.. وفي ظل رفض (المعارضة) الخارجية المرتبطة لهذه الانتخابات، والشكوك (الدولية) السلبية المسبقة للعديد من الدول الغربية عموماً، والأمريكية خصوصاً، الداعمة لقوى الإرهاب والتكفير حول إمكانية تنفيذها ووضع علامات استفهام حول نتائجها.
هي الانتخابات الرئاسية الأولى في ظروفها واستحقاقاتها الهامة، منذ أكثر من أربعين عاماً، وتمثل خطوة تنفيذية للدستور المعدل الذي ألغى المادة الثامنة (الحزب القائد للمجتمع والدولة.. إلخ)، ودعا إلى التعددية والديمقراطية في التعامل مع الاستحقاقات التشريعية والرئاسية وغيرها من المسائل الوطنية والخاصة.. وهي الانتخابات الأولى التي تجري في ظل أوضاع صعبة ومعقدة لم تشهدها البلاد سابقاً.. وهي الانتخابات التي تجري رغم الصعوبات العامة وتبعاتها والتدخلات الخارجية أيضاً.. وهي تؤكد بذلك العديد من القضايا الهامة، بدءاً من أنها قضية داخلية سورية بحتة لا يحق لأحد التدخل فيها، وأنها إجراء وطني سيادي يتعلق بالدولة والوطن وسورية وما تمثله، وأنها تأتي ضمن المهل الدستورية، وتعد إصراراً وطنياً سورياً على تنفيذ الدستور المعدل، وعلى احترامه بوصفه استحقاقاً وطنياً يمس كل السوريين على اختلاف توجهاتهم وآرائهم.. وتزداد أهميتها في ظل التحذيرات (الغربية) و(الإقليمية) المنشغلة بالأزمة السورية، بأنها تضر بالمسار (الحواري) الجاري، حول كيفية حل الأزمة السورية، وأنها تؤكد إصرار السوريين على احترام دستورهم وسيادتهم ودولتهم (وهذا ما ينتظر أن تؤكده الانتخابات وحجم المشاركة الشعبية ونتائجها)، التي لا يحق لأي طرف كائناً من كان، التدخل فيها وفي شؤون السيادة الوطنية السورية، إنما على العكس تماماً، بوصفها تمثل خطوة عملية أولية هامة، تؤكد من خلالها سورية هذه السيادة التي تصارع منذ أكثر من ثلاث سنوات في سبيل تجسيدها، ودفعت ثمنها باهظاً بشرياً ومادياً واقتصادياً أيضاً.
ورغم أهمية هذا الاستحقاق ومغزاه ومدلولاته، فإن الشعب السوري بمكوناته وتركيبته الديمغرافية والسياسية المتنوعة، يفترض به أن يطلع على برامج المرشحين ورؤيتهم لسورية الراهنة والمستقبلية، التي يتوخى منها أن تتضمن آليات وقف الإرهاب والعنف وتبعاته، وكيفية وقف نزيف الدم السوري، ورفض التدخل في الشؤون الداخلية لدولة ذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة، كذلك حل القضايا والصعوبات الاجتماعية والحياتية، والمزيد من دمقرطة الحالة السورية، وفي الصدارة منها تطلعات الغالبية الساحقة من الشعب السوري، والتعاطي مع هذا الاستحقاق بوصفه خطوة هامة نحو تطوير العملية الديمقراطية الشعبية في تجربتها الجديدة.
ودون الخوض في تفاصيل تنفيذ هذا الاستحقاق من زمن الترشح (22 نيسان ولغاية الأول من أيار)، وتصويت السوريين في بلدان الاغتراب (عبر السفارات السورية) وصولاً إلى شروط الترشح القانونية، على أهميتها، فإنه لابد هنا من الإشارة إلى أن هذا الاستحقاق، على أهميته مرة أخرى، يؤكد حرص سورية وأحزابها الوطنية المعنية قبل غيرها، بسورية (دولة وكياناً)، كان ممكناً تجنبه من خلال التمديد لفترة محددة، وفقاً للدستور وللحالة القائمة، وأنه كان ممكناً أيضاً إعلان حالة الطوارئ فترة مؤقتة، تماماً كما فعلت مصر في مواجهتها بقايا نظام الأخونة، وأيضاً تحاشي الضغوط الأمريكية و(الغربية)، التي تدرك تماماً مغزى هذا الاستحقاق وتداعياته داخلياً وفي دول الجوار والعالم.. كذلك بوصفه عملية انتخابية تظهر حجم (المعارضات) ووزنها ونفوذها على اختلافها، وانكشاف ذلك شعبياً أولاً.. ويؤكد أن الصراع الجاري عملياً وراهناً، هو بين سورية الدولة والوطن، وبين مجموعات جهادية – تكفيرية تريد العودة بسورية إلى عصور الكهوف والظلام ثانياً، وأن تنفيذ هذا الاستحقاق يمثل تأكيداً سورياً، مرة أخرى، على أن مصير سورية يحدده شعبها وقواه الوطنية، وأن هذا الاستحقاق يفترض به أن يمثل خطوة عملية نحو التعددية والديمقراطية الحقيقية، وسينظر إلى كيفية تنفيذه بكثير من الترقب والاهتمام والمساءلة من جهة، وما يعنيه ذلك أيضاً من جهة ثانية.