نقيب أطباء سورية: لم يصدر ما يشير إلى سعي «الصحة» لإلغاء لقب طبيب الأسنان

د. شحادة: رفع السوية العلمية لكامل الأطباء في مرحلة إعادة الإعمار

تتجه وزارة الصحة حالياً إلى تعديل المرسوم التشريعي رقم 12 لعام 1970 الخاص بمزاولة المهن الطبية والصحية، والقرارات الوزارية الناظمة للتراخيص ومزاولة مهنة الطب وطب الأسنان، والمهن المتعلقة بصحة وحياة الإنسان بشكل مباشر أو غير مباشر، خاصة مع دخول الكثير من المهن إلى قطاع الصحة لم تكن موجودة سابقاً، ولابد من ذكرها في القانون الجديد بهدف الارتقاء بالعمل الطبي على اختلاف فروعه، مع المحافظة على حقوق المريض.

وللاطلاع على المراحل التي وصل إليها مشروع تعديل المرسوم، التقت (النور) الدكتور عبد القادر الحسن، نقيب أطباء سورية، الذي أشار إلى أن التعديل بدأ منذ أكثر من سنتين، وتم تداوله بين وزارة الصحة والنقابات المعنية، كما شكلت لجنة في وزارة الصحة لتمثيل النقابات المعنية والوزارة، وتم تداوله في جلسات عديدة تعرض فيها لنقاش مفصل. ونبه إلى أن المشروع في مراحله النهائية ويعد لرفعه إلى رئاسة مجلس الوزراء، لمناقشته وبحث نقاط الخلاف ما بين الوزارة والنقابات المهنية.

لقب طبيب الأسنان

لفت نقيب أطباء سورية إلى أنه خلال الجلسة الأخيرة للجنة -التي شكلتها وزارة الصحة- قدمت نقيبة أطباء أسنان سورية الدكتورة فاديا ديب ملاحظات حول بعض التعاريف والنقاط غير المتفق عليها ما بين الوزارة والنقابات، فكان الخلاف الأول حول التعريف الذي ورد في المادة الأولى من الباب الأول للطبيب.. فقد عُرف بأنه كل من حاز على شهادة في الطب البشري، وعُرف طبيب الأسنان بأنه كل من حاز على إجازة في طب الأسنان، لكن كان هناك اعتراض من نقابة أطباء الأسنان على تعريف الطبيب، (فلماذا لا يعرف الطبيب بأنه الطبيب البشري وهو طبيب الأسنان)، فكان رد الوزارة بأن (التعريف العالمي بأن الطبيب هو الطبيب البشري، بينما طبيب الأسنان هو طبيب الأسنان، وليس هناك مشكلة في هذا التعريف أو ذاك)، لكن إذا أضفنا كلمة البشري إلى كلمة الطبيب، فستكون النتيجة تعرض طبيب الأسنان لمساءلة قانونية في عدد من المواضع ضمن مواد القانون، بمعنى (إذا عرفنا الطبيب هو طبيب الأسنان والطبيب البشري في بعض المواد، فعلى الطبيب أن يؤدي واجبه الإسعافي أمام المرضى.. ففي هذه الحال أصبح طبيب الأسنان ضمن هذا التعريف ملزماً بتقديم الإسعاف، وإذا تأخر عن تقديم الإسعاف يصبح معرضاً للمساءلة القانونية، وهذا مجحف بحق طبيب الأسنان لأنه ليس له علاقة بالطب).

كذلك الأمر لو أرفقنا كلمة البشري بالطبيب، وكتبنا في كل موقع الطبيب هو الطبيب البشري وكتبنا (على الطبيب البشري عدم الإجهاض) يصبح لطبيب الأسنان الحق بالإجهاض، وغيرها العديد من المواد. وبين الدكتور الحسن قائلاً: (نحن لم نجد في نقابة الأطباء أية مشكلة في هذا التعريف، بل هو تعريف عالمي، وهناك كلية لطب الأسنان وكلية للطب البشري، وكل يعرف حسب اختصاصه وعمله)، وأكد أنه لم يصدر خلال هذه الجلسة ما يدل على سعي وزارة الصحة لإلغاء كلمة دكتور أو طبيب من طبيب الأسنان، فلم نلاحظ ذلك، بل كانت المشكلة فقط في التعريف.

ملاحظات عديدة

أشار الدكتور الحسن أيضاً إلى ملاحظات عديدة محقة لنقابة أطباء الأسنان على بعض المواد المتعلقة بموضوع الترخيص، (فقط كان المطلب الأساسي لكل النقابات المهنية أن يكون الترخيص بيد النقابة وليس الوزارة)، لكن كان هناك إصرار من قبل وزارة الصحة بحصر المسؤولية، وأن يكون الترخيص من صلاحيات الوزارة، إنما بالتنسيق مع النقابة المعنية.. ونحن كنقابة أطباء بشريين وجدنا أن التنسيق مع النقابة المعنية يعني أن هناك دوراً حقيقياً للنقابة في موضوع الترخيص وتجديده، ونحن كنا نرى أن يكون إذن الفتح من النقابة المختصة، لكن كان هناك اعتراض من الوزارة أن يكون إذن الفتح من الوزارة بالتنسيق مع النقابة.. ففي المادة 6 من الباب الأول (يجدد الترخيص المذكور في المادة 4 من هذا المرسوم التشريعي كل خمس سنوات وفق شروط الوزارة)، طالبنا بإضافة عبارة (بالتنسيق مع النقابة المختصة)، كذلك أضفنا فقرة ب للمادة بأنه يجدد إذن الفتح من النقابة المختصة بالتنسيق مع الوزارة.

(لقد وجدنا في النصوص تكاملاً بين الوزارة والنقابة، فنحن بحاجة إلى الوزارة أثناء التنفيذ على أرض الواقع، فلا يوجد لدينا كادر إداري لتنفيذ عقوبة اتخذت بحق طبيب مخالف.. ولو أخذنا قراراً بإغلاق عيادة، فلا يوجد لدينا موظفون لإغلاقها، بل نرسل للوزارة والنيابة العامة لتقوم بذلك) بحسب نقيب الأطباء، مؤكداً أن التكامل والتنسيق بين الوزارة والنقابة جيد، (على الرغم من طموحنا بأن يكون إذن الفتح والترخيص بيد النقابة)، وقال: (قد يكون في البلدان المتقدمة دور أكبر للنقابات ونحن نطمح إليه، فعندما تكون النقابة رب عمل يكون العمل في المهنة أفضل بكثير، فمثلاً نقابة المحامين هي رب عمل، وبالتالي هناك التزام للمحامي أكثر بنقابته).

ومن ناحية أخرى أكد نقيب الأطباء ضرورة أن يكون الطبيب أو طبيب الأسنان أو الصيدلي حائزاً على الشهادة الثانوية العامة الفرع العلمي، وليس فقط الثانوية العامة كما هو مذكور بالقانون.

أيضاً كان لدى نقابة الأطباء اعتراض على المادة 16 من الباب الثالث الفقرة ،12 إذ إنها (مخالفة لقانون التنظيم النقابي والمهني، فيحق للطبيب رفض معالجة أي مريض إذا لم يكن حالة إسعافية).

المجازون والاختصاصيون في العلوم الصحية

في سياق متصل أشار الدكتور الحسن إلى إضافة المجازين والاختصاصيين في العلوم الصحية، وقال: (هؤلاء ليسوا أطباء ولا ينتسون إلى نقابة الأطباء، بل إلى نقابة المهن الصحية، وبالتالي لا يحق لهم العمل بشكل خاص أو فتح منشأة طبية أو عيادة، بينما يكون عملهم ضمن منشأة يقودها طبيب)، ولذلك كان لدينا اعتراض وأخذت به الوزارة، ورفضنا الفصل الخامس من الباب الرابع المتعلق بالأحكام الخاصة بذوي المهن الصحية – المجازون والاختصاصيون بمهن العلوم الصحية، فحذفت المادة  25 كاملة، لأنهم يعملون ضمن منشأة طبية تحت إدارة طبيب.

وفيما يتعلق بحقوق المرضى، إذ يخلو القانون من تعريف الأخطاء، أشار نقيب أطباء سورية الدكتور عبد القادر الحسن إلى وجودها وضمانها من خلال قانون التنظيم النقابي للأطباء البشريين، كما أنه يوجد مجلس مسلكي في النقابة يتلقى كل الشكاوي من المواطنين، وأي مخالفة تعرض على المجلس، سواء أكان فرعياً أم مركزياً وتتم معالجتها من خلال لجان. ويوجد في المجلس قاض برتبة مستشار وعضوية أعضاء من النقابة والصحة والقطاع الخاص، وبالتالي هي لجنة موسعة وتعطي كل ذي حق حقه.

ولدى سؤال (النور) عن أهمية إصدار تشريع واحد لاختصاصات متعددة (طبيب أسنان، صيدلي، مجاز علوم صحية، اختصاصي علوم صحية، الممرض…) أشار د. الحسن إلى أن الطبيب مثلاً لا يعمل منفصلاً، بل هو بحاجة إلى كادر طبي متكامل، وهو ما فصله القانون بشكل كامل، وبالتالي لابد أن يكون القانون متكاملاً، مع الإشارة إلى أنه يوجد ضمن كل نقابة نظام داخلي يحدد عمل النقابة، (أما مزاولة المهن على أرض الواقع، فيحتاج إلى قانون شامل لجميع المهن، وهو كلام دقيق ولا يوجد عليه إشكال).

أهمية التعديل

وعن أهمية تعديل المرسوم الخاص بمزاولة المهن الطبية والصحية قالت الدكتورة هند شحادة، نائبة نقيب أطباء سورية في حديث ل(النور)، لقد كان المرسوم 12 لعام 1970 هو الناظم لعمل المهن الطبية والصحية لأكثر من أربعين عاماً، ولكن وبعد تغير العديد من القوانين في البلاد، وبالأخص بعد تغير الدستور السوري، ومع وجود مستجدات كثيرة على الصعيد العملي والتنفيذي، كان لابد أن تتغير أيضاً القوانين الناظمة لجميع المهن الطبية والصحية، خاصة بعد أن بدأت النقابات المهنية بتغير قوانينها، انطلاقاً من ذلك كان لابد من تحسين أمور مزاولة المهنة لصالح الممارس الطبي ولصالح المرضى أيضاً على الصعيد العلمي وعلى أرض الواقع.

وأكدت الدكتورة شحادة أن العمل الطبي ليس فقط خدمة، بل يجب أن يكون هناك رقي في تقديم هذا العمل حتى يكون له مواصفات جيدة، وهنا يبرز دور النقابات المهنية على اختلافها.

وعن الخطوات التي يجب أن تنفذ بالتزامن مع تعديل القوانين المتعلقة بالشأن الصحي، قالت الدكتور شحادة: (التوسع أكثر بعمل المنشآت الطبية التي تمنح شهادة اختصاص وتجهيزها بكل ما يلزمها من الجوانب العلمية والمادية، فيجب أن أوفر للطبيب الجو الطبي والعلمي والدخل المالي الكامل بحيث يبقى الطبيب على رأس عمله لآخر دقيقة من دوامه)، وأضافت أيضاً (نسعى لتكون المشافي على سوية علمية عالية حتى نمنح شهادة البورد السوري).

إعادة الإعمار

وأشارت نائبة نقيب أطباء سورية إلى خروج عدد كبير من المشافي من الخدمة، نتيجة الحرب التي تشن على سورية، وقالت: (عندما نريد أن نبدأ بإعادة إعمارها، فيجب أن نأخذ بالحسبان أن تكون مشافينا جاهزة بكوادرها، وأن تكون السوية العلمية لكامل الأطباء جيدة، بحيث يعلّمون الأطباء المقيمين، ومن يسعى لنيل الاختصاص كل ما هو مستجد في هذا المجال). وأردفت قائلة إنه من غير المعقول أن أمنح موافقة إقامة لطبيب يجري اختصاص عظمية في مدينة لا يوجد فيها مشفى يعمل، فيضطر للدوام في مستوصف، وبعد أربعة أعوام أقوم بامتحانه أسوة بالطبيب المقيم في دمشق مثلاً. فعلينا أن نجهز منشآتنا الصحية لتكون جاهزة لتقديم الأطباء وتدريبهم على أكمل وجه).

ختاماً نأمل أن يساهم القانون الجديد في الارتقاء بالعمل الطبي في سورية بقطاعاته كافة، بحيث يكفل حقوق الطبيب والمريض على السواء، ويكون خطوة في سبيل النهوض بمنشآتنا الطبية العامة والخاصة وتلافي التجاوزات الكثيرة والأخطاء العديدة، من أجل الارتقاء بالمستوى العلمي لجميع العاملين بالمهن الطبية والصحية.. كل ذلك متوازياً مع وضع سياسة جديدة للقطاع الطبي، وخاصة بعد أن دمّر جزء كبير من المنشآت الطبية، مع إعادة النظر بالموضع الجغرافي لعدد منها.

العدد 1140 - 22/01/2025