الصناعة تغرد بعيداً عن أوليات اقتصادنا الوطني

من أكثر الوزارات التي تجد مبررات لتقصيرها في العمل، وتراجع الأداء في مؤسساتها، هي وزارة الصناعة، التي تبحث عن المبررات لإقناع الأخرين بمواقفها، التي لاتقنع أحداً في معظم الأحيان. ومن أمثلة ذلك الرغبة العارمة للصناعة في وضع الخطط الاستراتيجية الطويلة الأمد، والتجاهل ـ ربما يكون مقصوداً ـ للوضع الحالي، وما أفرزته الأزمة الراهنة، وبالتالي الابتعاد عن متطلبات المرحلة الحالية التي يمر بها اقتصادنا الوطني.

ماذا ينفع الاقتصاد الوطني الإصرار الآن على تشغيل معمل السيارات؟ هذا مثال واحد فقط من عدد من الأمثلة. إذ لاننكر أن اقتصادنا الذي استُهدف، ودُمّر، بحاجة إلى كل شيء، لكن منطق الأوليات، يجب أن يتصدر أي منطق آخر. فحاجتنا اليوم إلى تشغيل معامل الصناعات الغذائية المتوقفة (الكونسروة أنموذجاً)، يفوق أي حاجة أخرى. وبالمسطرة ذاتها يمكن القياس على الصناعات النسيجية، التي تحتاج بعض شركاتها إلى قرار لتعمل، بدلاً من سماع طروح من قبيل الرغبة في المرحلة القادمة باستيراد ألبسة جاهزة. كما أن المواد الأولية لعدد من الصناعات التي يمكن تشغيل شركاتها المتخصصة، متوفرة من حقولنا، وبدلاً من تلفها، وعدم بيعها لأكثر من سبب، لاسيما المنتجات الزراعية ذات العلاقة، لابد من الاستفادة منها. إلا أن وزارة الصناعة وبرغبة فردية منها تنظر إلى المستقبل البعيد ـ وهذا حقها ـ لكنها لا تعير المرحلة الحالية أي اهتمام.

أولية تأمين الغذاء والكساء، لا تفوقها أي أولية أخرى، سوى إعادة الأمن والاستقرار، ومن هنا يجب أن تنطلق وزاراتنا، وتضع خططها المرحلية على هذا الأساس، لا أن تستند إلى التخطيط المستقبلي فقط.

العدد 1140 - 22/01/2025