مذكرات قبل الوفاة
فتَّحتْ ثورة الاتصالات أذهان البشر وعيونهم، باستثناء الملايين المغيبين المجهولين في أكواخ النسيان، ومن الظلاميين الذين يقتلون فتاة لأنها ترتدي عباءة مطرَّزة..!
شقَّ القرن الحادي والعشرون دروباً جديدة للمعرفة والثقافة.. وعبَّد طرقات أخرى.. وكدّس معلومات واختراعات قدَّمت فوائد لا تقدّر بثمن للبشرية جمعاء. ويبدو أن هذه الإنجازات العظيمة التي تستغلها الإمبريالية العالمية والأمريكية خاصة، لن تلبّي جميع رغباتها ومصالحها وزيادة رأسمالها، بل تريد الاستئثار بخيرات العالم بمفردها، وتركيع الشعوب إن استطاعت وإسقاط الحكومات وتخريب الدول! وهي تتبع سياسة (هادئة) من الناحيتين (التكتيكية والاستراتيجية)، وخطط مبرمجة على طريقة (النفس الطويل) لتقسيم العالم العربي وتوزيعه إلى طوائف ومذاهب وإثنيات.
ومن يتابع ساسة البيت الأبيض يرى أنهم بعد أن تنتهي فترة حراستهم، يتفرّغون لكتابة المذكرات. ويبيعون أسرار فترة تحمّلهم (مسؤولية العالم ومصيره) بملايين الدولارات. ويؤكدون أن الرأسمالية (التي تُجدّد نفسها) كما قال عنها الدكتور فؤاد مرسي، لها جانبان: جانب متوحش وجانب منتج. وفي هذا المجال يمكننا استعادة ما كتبه فلاديمير لينين قبل ثمانية وتسعين عاماً في كتابه (الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية).
يقول لينين: (إن الحرب كانت صراعاً إمبريالياً تتنازع فيه جميع الأطراف للاستيلاء على مزيد من الأراضي وتوسيع نطاق سلطاتها ونفوذها، أو على الأقل التمسك بمستعمراتها التي لم يكن لديهم أصلاً الحق في الاستيلاء عليها).
إن ما نُشر من مذكرات شخصية بعد انتهاء ولاية المسؤولين الأمريكيين، يظهر التآمر على سورية والبلدان العربية الأخرى، وكيف تنفَّذ هذه المخططات، ويبيّن بصراحة من هم العملاء الذين يمهدون لهم الطريق للوصول إلى ما يريدون؟
قال روبرت غيتس وزير الدفاع الأميركي في مذكراته، إن الرئيس أوباما فَقَدَ قناعته سريعاً باستراتيجيته في أفغانستان، وأنه لم يكن يثق في قائده ولا يؤمن باستراتيجيته الخاصة ولا يعتبر الحرب حربه.
وتضمَّن كتابه (الواجب.. ذكريات وزير دفاع) فصولاً عدة. وعنون الفصل الخامس (ما بعد العراق: عالم معقد). تحدَّث فيه عن لقائه الأول مع الملك السعودي في صيف عام 2007 بعد مؤتمر شرم الشيخ. يقول: إنَّ هذا اللقاء مع الملك السعودي شكَّل أحد أهم لقاءاته مع مسؤولين وقادة طوال عمله السياسي. وكان الوحيد الذي فقدَ فيه تحكّمه بأعصابه. والسبب أن الملك طالبه كوزير دفاع لأمريكا بأن تشنّ واشنطن هجوماً عسكرياً شاملاً على أهداف عسكرية في إيران.. وهدَّد بأنه إذا لم تشنّ أمريكا هذا الهجوم العسكري، فإن السعودية ستتخذ الإجراءات من جانبها، باستقلال عن القرار الأمريكي، للدفاع عن مصالحها..!
وكتب بوش الابن في مذكراته التي يدافع فيها عن (الحرب على الإرهاب) وغزو العراق، التي جاءت تحت عنوان (قرارات حاسمة)، عن أخطائه في الحملة قبل غزو العراق وعدم العثور على أسلحة دمار شامل. وقال: كنتُ أكثر من أصيبوا بالصدمة والغضب عندما لم نعثر على الأسلحة.. انتابني شعور مقزز كلما فكرت بالأمر!
وأمر وزارة الدفاع بإعداد خطة لضرب منشآت إيران النووية، وشن هجوم سري على سورية.
وصدرت في العاشر من حزيران 2014 مذكرات هيلاري كلينتون بعنوان (خيارات صعبة). وأبرز ما في هذه المذكرات الإجابة عن السؤال الآتي: مَنْ وراء تأسيس داعش؟
بوضوح ودون (لف ودوران) مع إشراقة ابتسامة بيضاوية، قالت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة: إنَّ الإدارة الأمريكية قامت بتأسيس ما يسمى (تنظيم الدولة الاسلامية في العراق وبلاد الشام)، وذلك من أجل تنفيذ مخطط تقسيم الشرق الأوسط. وقالت إنها زارت 112 دولة في العالم. وتمَّ الاتفاق مع بعض الأصدقاء على الاعتراف بالدولة الاسلامية… وفجأة تحطَّم كل شيء.. كل شيء كُسر أمام أعيننا دون سابق إنذار.. شيء مهول جداً! فكرنا في استخدام القوة، ولكن مصر ليست سورية وليبيا. وعندما تحركنا بعدد من قطع الأسطول الأمريكي ناحية الإسكندرية، رُصدنا من قبل سرب غوَّاصات حديثة جداً يطلق عليها (ذئاب البحر). وعندما حاولنا الاقتراب من البحر الأحمر فوجئنا بسرب طائرات ميغ 21 الروسية القديمة. والأغرب أن راداراتنا لم تكتشفها. وقالت أيضاً: إذا استخدمنا القوة ضد مصر خسرنا، وإذا تركنا مصر خسرنا شيئاً في غاية الصعوبة.. فمصر هي قلب العالم العربي والإسلامي.
وتطول المذكرات ولكن لا بد – حسب كلينتون – من معرفة أن الولايات المتحدة كان عليها التوجه لدول الخليج العربي. وكانت أول دولة مهيّأة هي الكويت ثم السعودية والإمارات والبحرين وعُمان.. وبعد ذلك يعاد تقسيم المنطقة العربية بالكامل!
إنها مذكرات تصدر قبل وفاة أصحابها ولصق النعوات في لوحة الإعلانات.. أما بعد الوفاة فلا ندري أي مذكرات ستتحقق.. والسؤال: هل تجري الرياح بما تشتهي السفن؟