أريده رجلاً مفعماً بالرجولة!

(أريده رجلاً بكل ما تحمله الكلمة من معنىً!)- عبارة ترددها الكثير من فتياتنا اليوم عند وصفها شريك المستقبل، دون أن تُدرك خفاياها وحقيقتها، فهل الرجل هو فقط من يملك شاربين، ويتمتع بالقسوة والخشونة، ولديه القوة وإمكانية السيطرة على الآخرين، وسلب عقولهم وقلوبهم، وإخضاعهم لأوامره؟

إن الرجولة صفة إنسانية يتحلّى بها البعض، وتتجلّى معانيها في أفعالهم وأقوالهم وتصرفاتهم وعلاقاتهم بالمحيط الخارجي من حولهم، فهي لا يمكن أن تولد مع الرجل، وإنما يكتسبها مع مرور الأيام، وتحمل في طيّاتها الكثير من صفات المسؤولية والصبر والإخلاص والكرم والشجاعة والتضحية والمروءة والشهامة وغيرها من القيم الاجتماعية والأخلاقية.

فمن هو الرجل الحقيقي؟

الرجل الحقيقي، هو كل من لا يقبل بالضيم ولا يتخاذل في الدفاع عن وطنه عندما يُدنّسه الأعداء ويهتكون محارمه، يُضحي بالغالي والرخيص في سبيله. هو الذي يتعاطف مع الآخرين، ويشاركهم أفراحهم وأتراحهم، ويُظهر احترامه لمشاعرهم وعواطفهم… هو الذي لا يتعصب برأيه، ولا يُجبرُ أحداً على القبول به. يتناقش ويتحاور مع الآخرين دون صراخ أو تعنّت، يستمع إليهم ويحترم وجهات نظرهم.

يُقدّم يد العون لمن يحتاجها، فنراه هنا يساعد رجلاً ضريراً تائهاً، وهناك يمسك بأيدي الأطفال ليعبروا الشارع، أو يحمل الأغراض عن رجل مسن، أو يمنع رفاقه من محاولة التحرّش بإحداهن، لا يتكبّر على الضعفاء والفقراء، يتواضع معهم ويحترمهم، ولا يغترّ أمامهم بقوّته أو ماله.

يولي أهلَ بيته الكثيرَ من وقته واهتمامه ، يبرُّ والديه ويحترم إخوته والأكبر منه سناً، ولا يتوانى عن تقديم النصح والإرشاد لهم عند الحاجة. إضافة إلى ذلك، فهو يسعى لبناء وطنه والارتقاء به بعلمه وعمله، من خلال تطوير نفسه وتحسين وضعه، مما ينعكس إيجاباً على المجتمع ككل، فحضارات الأمم كلها بنيت على ما مرّ بها من رجال عرفوا المعنى الصحيح للرجولة وكانوا أهلاً لها وبها.

أما عند المرأة، فالرجل بالمعنى الحقيقي، هو الذي لا يتعالى عليها لضعفها، يحترم حقوقها وواجباتها، ولا يتغاضى عنها، فالمرأة لا يهمُّها ما إن كان الرجل وسيماً أو غنياً أو ذا حسب ونسب، بقدر ما يهمُّها مواقفه الرجولية في الحياة، فيحاول جاهداً أن يكسب ثقتها واحترامها بأفعاله لا بأقواله فقط، ويساعدها على بلوغ قمّة النجاح، لأنه يدرك تماماً أن نجاحه من نجاحها، وأن ذلك سيعود بالنفع والفائدة عليه وعلى أسرته وأبنائه، فوراء كل امرأة ناجحة رجل عرف قدرها وساندها، ولم يقف حائلاً أمام تحقيق طموحاتها وأحلامها، يحتويها بحزنها وفرحها، ويحترم مشاعرها ويكرّمها ويناصرها ويعاملها بلطف واحترام، ويُعلي من شأنها أمام الآخرين، يتغاضى عن هفواتها ويسامحها ويكفُّ لسانه عن نقدها، ويده عن محاولة إهانتها بالضرب.

فإذا كانت هذه بعض صفات الرجل الحقيقي، فإننا نقف باحترام أمام كل من يتحلّى بها، مع أننا نلاحظ أن مجتمعاتنا وللأسف، حُبلى بأنصاف الرجال الذين وضعوا للرجولة معايير خاصة بهم، وغيّروا من مفاهيمهم وقيمهم بذريعة الانفتاح الأخلاقي والثقافي والعلمي على العالم، فيقف الشاعر ليخاطبهم قائلاً:

ما كانَتِ الحَسْناءُ تَرْفَعُ ســِتْرَها

لَوْ أنّ في هَذيْ الجُموعِ رِجالا!!!

العدد 1140 - 22/01/2025