هل أصبحت المونة من الكماليات؟ المستهلك يرشد استهلاكه في ظل تضخم أسعار مواد المونة… ويتبع أسلوب أجداده

دخل المستهلك حالياً يعيش تحدياً كبيراً أمام تلبية متطلبات المعيشة، فها هو ذا موسم المونة أقبل منذ فترة، وها هو ذا شهر رمضان أيضاً اقترب، ويخشى المستهلك من وثبات قد تشهدها الأسعار مع اقتراب رمضان.

حالياً المستهلك يفصّل خططه المادية وفق متطلباته المرحلية، وحالياً يواجه موسم مونة الشتاء، ولا يخفى على أحد أن الظروف الراهنة في سورية كان لها تأثير كبير على المناحي الاقتصادية: الدخل، ارتفاع التضخم، واتساع الفجوة بين الأسعار والدخول، وأسواقنا للأسف لا تتعلم إلا لغة الارتفاع السريع في الأسعار، في حين أن الانخفاض لا يعرف طريقه إلى أسواقنا إلا بشق الأنفس.

مواد مونة الشتاء لم تكن بمنأى عن ارتفاع الأسعار، بل على العكس تضاعفت أسعارها كثيراً مقارنة مع الأعوام السابقة، حتى بلغت أكثر من 300%، مقارنة مع أسعار عام 2012 وبنحو 100% مع أسعار عام 2013.

تضاعف أسعار مواد المونة

(النور) تابعت أسعار بعض السلع التي يقبل عليها المستهلك لتموينها للشتاء، فلاحظت أن أسعار مواد المونة ارتفعت مؤخراً مقارنة مع بداية الموسم، ومن مواد المونة المعروفة الفول والبازلاء والفاصولياء وغيرها من المواد الغذائية، فقد تراوح سعر كيلو البازلاء ما بين 175 و200 ليرة بقشره، في حين بلغ سعره مفصّصاً نحو 350 ليرة للكيلو، مع الإشارة إلى أن سعره خلال العام الماضي كان لا يتجاوز 200 ليرة، وسعر كيلو البازلاء (بقشره) ما بين 70 و80 ليرة، وكان في عام 2012 يترواح ما بين 35 و40 ليرة، أما الفول فارتفعت أسعاره أيضاً مقترباً من سعر البازلاء، وكان سعره في العام الماضي نحو 65 ليرة للكيلو، وفي عام 2012 كان بـ 15 ليرة فقط، أما الفاصولياء فارتفع سعرها حالياً، وفي حال أقدمت الأسرة على التموين، فإن ذلك سيكلفها ما لا يقل عن 5 آلاف ليرة، وبالطبع ستموّن نصف الكمية التي كانت تمونها خلال الأعوام السابقة أو ربعها، لأن  الأسعار تضاعفت.

المستهلك يرشّد استهلاكه..

المستهلك أمام هذه الأسعار لم يجد حلاً إلا بتخفيض الكمية التي يمونها، فقد خفض أغلب المستهلكين كميات المونة إلى الربع مقارنة مع الأعوام السابقة، وأكد أحد المستهلكين أنه كان يشتري نحو 20 كيلو من البازلاء، إلا أنه في هذا الموسم لم يشتر إلا 7 كيلوات بازلاء ومثلها من الفول، مشيراً إلى أن ارتفاع أسعار المونة وانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة، غيرت من توجه المستهلك اتجاه عادة المونة، فلم يعد يتجرأ على الإقبال عليها إلا بكميات قليلة خوفاً من فسادها أولاً لأنها تحتاج إلى الحفظ في الثلاجة، والكهرباء حالياً لا تساعد على ذلك، وثانياً لأن أسعار المونة ارتفعت كثيراً، وليس للمستهلك قدرة على تحمل تكاليفها في ظل ارتفاع معظم الأسعار الأخرى، وخاصة المواد الأساسية والخدمات مثل النقل والفواتير الأخرى.

قلة العرض.. وإقبال ضعيف

حالياً لا تزال المنطقة الجنوبية تعاني أزمة كهرباء نتيجة الاعتداء على خط الغاز، ولا يزال التقنين الكهربائي يصل إلى نحو 16 ساعة في ريف دمشق، وكان لذلك تأثير كبير على موسم المونة، ورغم هذا التأثير لم تنخفض أسعار مواد المونة، بل على العكس ارتفعت في الآونة الأخيرة، وأرجع مصدر في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في تصريحه لـ(النور) سبب ذلك إلى قلة العرض في الأسواق، فقد انخفضت كميات مواد المونة في الأسواق مقارنة مع بداية الموسم، مما دفع أسعارها إلى الارتفاع.

في حين أكد رئيس جمعية حماية المستهلك في دمشق وريفها عدنان دخاخني في تصريحه لـ(النور)، أن معظم المستهلكين حالياً غيروا عاداتهم الاستهلاكية، وخاصة بالنسبة للمونة، فقد لجؤوا إلى عادات الأجداد في ذلك، واتبعوا أسلوب التجفيف بدلاً من الحفظ في الثلاجات، مشيراً  إلى أن انقطاع التيار الكهربائي كان له أثر في ذلك، لافتاً إلى أن تجفيف مواد المونة يعتبر صحياً أكثر لأنه يحافظ على مكونات الغذاء فيها.

ولفت إلى أن الإقبال على موسم المونة حالياً يعتبر ضعيفاً جداً، ذلك أن مواد المونة لا تزال موجودة في الأسواق ولا يوجد إقبال عليها من المستهلك، بسبب ارتفاع الأسعار، لافتاً إلى أن كيلو البازلاء المفصص يكلف المستهلك نحو 500 ليرة، وكيلو الباذنجان لا يقل عن 150 ليرة، وكيلو الجزر الذي كان بـ20 ليرة سابقاً أصبح لا يقل عن 120 ليرة، مشيراً إلى أن هناك اختلافاً كبيراً في أسعار المواد نفسها بين بائع وآخر، ويصل هذا الفرق إلى نسبة 25%، وهذا ما يؤكد أن الحلقة الأخيرة من التجار هم من يتحكمون بالأسعار ويتلاعبون بها.

وأشار إلى أن المستهلك لجأ إلى الترشيد في الاستهلاك نتيجة ارتفاع الأسعار الكبير الذي تشهده الاسواق، لافتاً إلى أن المستهلك يعيش واقعاً مادياً أليماً يحتاج إلى معالجة سريعة من قبل الجهات صاحبة الشأن.

الفواكه من الكماليات..

حالياً نسّق المستهلك من جدول استهلاكه الكثير من السلع، وخاصة ما يتعلق بالمونة، فكان المستهلك سابقاً يموّن العديد من المواد الأساسية، إضافة إلى الفواكه، إلا أن المستهلك حالياً لم يقدم على شراء الفواكه لا بكميات قليلة ولا بكميات كبيرة في ظل ارتفاع أسعارها المخيف، وأصبحت الفواكه من الكماليات لديه، فكيلو الجارنك (نوع وسط) بـ250 ليرة، وكيلو البطيخ حالياً يتراوح ما بين 50 و70 ليرة أي أن (أصغر بطيخة) ستكلف المستهلك 600 ليرة، وكيلو الكرز بـ300 ليرة، ويمكن إدراج بقية الفواكه ضمن هذا السقف إلا ما ندر طبعاً.

المونة عبء كبير!

متابع قال لـ(النور)، إن المستهلك حالياً يمر بحالة مادية صعبة جداً، خاصة أن العديد من المواطنين فقدوا أعمالهم، لافتاً إلى أن المونة أصبحت من الكماليات لدى معظم الأسر، ولم تعد تلتفت إليها حالياً، لأنها تشكل عبئاً ثقيلاً على ميزانياتها، وفي حال أرادت أن تخزن بعض المواد الغذائية للشتاء، فإن ذلك سيقتصر على كميات ضئيلة جداً مقارنة مع الأعوام السابقة، ذلك أن معظم الأسر حالياً تواجه ارتفاعاً في أسعار معظم السلع الأساسية والخدمات وأجور النقل والأطباء والأدوية والفواتير وغيرها، وبطبيعة الحال لم يكن دخل الأسرة يكفي سابقاً، فكيف سيكفي حالياً لشراء المونة، إلا إذا ادخرت لهذه العملية، وأعتقد أنها لم تستطع الادخار في ظل ضعف دخلها وقدرتها الشرائية.

وأشار إلى أهمية أن يكون هناك تدخّل من قبل مؤسسات التدخل الإيجابي في هذا الموسم لطرح مواد المونة بأسعار منافسة ضمن صالاتها، لافتاً إلى أن على الحكومة أن تجد حلاً لضعف القدرة الشرائية للمواطن، وتوفير فرص عمل للعاطلين عن العمل بمشاركة القطاعات الأخرى، وإحياء الصناعة المحلية لدفع عجلة الاقتصاد المحلي للتحرك وتخفيف الضرائب على ذوي الدخل المحدود لأن دخلهم أصبح مستهلكاً بالكامل.

تعليق: تفعيل الرقابة والتدخل أكثر

بعد عرض السابق لا بد من معرفة أسباب تضاعف أسعار مواد المونة بشكل خاص والفواكه والخضار بشكل عام، فقد لمسنا ارتفاع الأسعار أكثر عندما رفعت أسعار المحروقات (مازوت وبنزين) التي أثرت على تكاليف الإنتاج والنقل، ذلك أن الفلاح يعتمد في الري على المازوت، ويعتمد أغلب بائعي الخضار والفواكه على سيارات النقل التي تعمل على البنزين، وبالطبع تضاعفت أجور النقل وتضاعفت معها الأسعار.

المطلوب هو دعم الفلاح وجعله يتمسك بأرضه أكثر وتذليل العقبات أمامه، وخاصة أن اقتصادنا هو اقتصاد زراعي بالدرجة الأولى، مع أهمية التدخل الحكومي لكبح جماح الأسعار بشكل عام، من خلال تفعيل مؤسساتها، وضبط الأسواق، ومنع التلاعب بالأسعار، فأسواقنا حالياً لا تخضع لقانون العرض والطلب، ولكن تخضع للمزاجية من قبل بعض المستغلين، في ظل ضعف وعي المستهلك وتردده في الشكوى تجاه ما يواجهه من استغلال للقمة عيشه، فالمهمة الأصعب تقع على عاتق الجهات الرقابية من جهة وعلى الجهات التدخلية في الأسواق من جهة أخرى من أجل تلبية أحتياجات ذوي الدخل المحدود، بطرح مواد بأسعار تنافسية حقيقية وإغراق السوق بها.

العدد 1140 - 22/01/2025