بعد المواطن.. الخبز والمازوت والغاز شخصيات 2012 السورية
تستحق (ربطة) الخبز و(جرة) الغاز وليتر المازوت التنافس على السلعة الأكثر شعبية، والأكثر طلباً في العام 2012. وتستحق إحدى هذه السلع أن تكون شخصية العام 2012 بامتياز. فبعد معاناة المواطنين الشديدة لتأمين هذه المواد، وخلق أزمات حادة وقاسية في أوقات مختلفة ومتعددة، لتأمينها، أرغمت المواطن على الرضوخ إلى شروط تجار الأزمات الجدد، ودفعت به إلى دفع تكاليف فوق طاقته، وزادت من الضغوط الهائلة التي يتعرض لها، تستحق هذه المواد أن تُصنف كسلع العام استناداً إلى تصنيفات شخصيات العام المعتادة في وسائل الاعلام.
أولاً
أن يصل سعر ربطة الخبز إلى زهاء 100 ليرة في دمشق وريفها مؤخراً، وإلى أكثر من 400 ليرة في حلب، وأن تتراوح أسعارها بين هذين الحدين في المحافظات الأخرى، فتلك ليست أزمة خلقها من يسمون تجار الأزمات والمتاجرين بقوت الشعب فقط، بل هناك من الأسباب الموضوعية أيضاً ما دفع أسعار الخبز السوري الأرخص في العالم لأن تحلق إلى مستويات قياسية، وإلى حدود لا يستطيع كثيرون، لاسيما الشرائح الفقيرة وذوو الدخل المحدود، الحصول عليها. كما أن هدر نحو ثلاث ساعات يومياً أمام الأفران والوقوف في الطوابير الطويلة الأفعوانية الشكل، لمجرد الحصول على ثلاث ربطات من الخبز، أمر لايمكن الاستهانة به، ولايعد قضية طبيعية رغم الأزمة الخانقة التي تعيشها البلاد على مختلف الصعد، وانعكاسها السلبي الكبير على حيوات المواطنين الأبرياء. وفي وقت سابق، حذرنا في (النور) من أن وجود احتياطي كبير من القمح، يكفي لعام ونصف العام، لايعني بالضرورة أن تأمين مادة الخبز ستكون حتمية، الأمر الذي لم يعجب كثيرين، شككوا بهذا الرأي، برغم استنادنا إلى أن الخبز في سورية صناعة بحد ذاتها، تحتاج إلى مستلزمات غير متوفرة كلها. ونبهنا إلى مخاطر عدم الاستعداد للسيناريوهات الأسوأ، دون جدوى، إذ خرجت بعض المطاحن عن العمل، وكذا معمل الخميرة في ريف دمشق، ولم يتمكن العمال في بعض الأحايين من الوصول إلى الأفران، كما توقفت بعض الأفران، فعاش رغيف الخبز وتأمينه، أزمة حقيقية، لم تمر على البلاد منذ ثمانينيات القرن الماضي، عندما كانت البلاد تئن من الحصار والعقوبات الاقتصادية، إلى جانب الجفاف. رغيف الخبز أولاً، قد يصلح شعاراً للمرحلة التي تعيشها البلاد، إلى جانب المصالحة الوطنية التي لا تقل أهمية، ويمكن أن تكون هاتان القضيتان أبرز ما يجب العمل عليهما، فالمصالحة الوطنية بلا خبز لاتعني شيئاً، وكذا الخبز بلا مصالحة يفقد قيمته الحياتية. رغيف الخبز الذي خلق خوفاً وقلقاً ورعباً حقيقياً في نفوس السوريين، يستحق أن يكون شخصية العام بجدارة، إن صح التعبير، رغيف كان الحصول عليه لا يحتاج إلى عناء، ووجوده ضمانة وطنية للاستقرار، ومادة غذائية يستند إليها نتيجة رخص أسعارها ملايين الفقراء، الذين تلتهم دخولهم حمى الغلاء. هذا الرغيف الذي تعرض إلى المتاجرة، ودخل حلبة العنف الدائر في البلاد منذ 21 شهراً، بات بحاجة إلى اتفاق لتحييده عن العنف، وتأمينه للمواطنين، فأزمة الخبز بمكوناتها وتداعياتها لا تقل خطورة عما يجري في البلاد من أحداث.
ثانياً
وبرز المازوت في العام الجاري وإن بدرجة أقل، كمادة مفتقدة في السوق المحلية. واتخذت الحكومة قرارات قضت برفع أسعاره تدريجياً من 15 ليرة لليتر الواحد حتى وصل الآن إلى 25 ليرة رسمياً، لكنه تجاوز حاجز المئة ليرة في دمشق. وتتحدث وسائل الإعلام عن 250 ليرة وأكثر في المحافظات الأخرى، ليصل المواطن السوري إلى حافة الخطر، وإلى الحد الذي لا طاقة له باحتماله.
إن الأزمة دفعته إلى المبيت بلا دفء يقيه برد الشتاء، وإلى تعطل منظومة النقل العام، وإصابتها بما يشبه الشلل غير الكلي. وخلق أزمة نقل خانقة زادت من طين هذه الأزمة القائمة أساساً بلةً. محطات خاوية من الوقود، مصفاتا بانياس وحمص لا تعملان بالشكل المعتاد، عمليات الاستخراج النفطي متوقفة، حظر على استيراد المحروقات، وصهاريج المازوت لا تصل إلى المواطنين. إنه المشهد العام للمحروقات، ومنها المازوت الذي يدخل في تفاصيل كل الحياة الاقتصادية للبلاد. المازوت وقود الحياة الاقتصادية المعاصرة في غياب البدائل الأكثر نظافة وخدمة للبيئة إلى جانب أسعاره خلقا أيضاً شبكات فساد وتهريب كبيرة، جنى البعض منها ثروات هائلة. بينما ينتظر المواطن، الذي لا حول له ولا قوة، حلاً من حكومته التي اكتفت بتقديم الوعود له، ويكظم غيظه لكثرة النوافذ المفتوحة التي تحيط بحياته المعيشية ولا يمكن إغلاقها بسهولة. بل ومن باب التندر، أن المواطن السوري بات يحلم أو يطالب بعودة الطوابير التي كانت تسّور محطات الوقود سابقاً، لأنها بالحد الأدنى كانت تعكس أزماته في هذا المجال، وفي الوقت عينه تؤكد توفر المادة، وإن بقلة. مازوتنا ليس لنا، شعار آخر يضاف إلى جملة ما يطرح من شعارات مرحلية، فبعد أن كان الفساد المتخفي تحت ثوب التهريب هو المعادل الموضوعي للشعار المذكور، أضافت إليه اليوم الأزمة وجملة ما ذكرنا آنفاً، معطيات جديدة لتحقيقه بكل أسف.
ثالثاً
قبل المواطن إجراءات الحكومات المتعاقبة خلال العامين المنصرمين، تجاه الغاز، أملاً بأن تحل هذه الأزمة الأخرى التي جعلت المواطنين يحنون، بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى، إلى أيام اشتعال أجهزة الغاز في المطابخ وعليها (طناجر) الطبخ. مشهد من تاريخ عمره لا يتجاوز أشهراً قليلة، غاب عن العديد من الأسر التي باتت لا تملك الغاز لزوم الطبخ والدفء، أسر تبكي لحالها المبكي والمؤلم. رفع سعر (جرة الغاز) وخفض سعتها من 12 ليتراً إلى 10 ليترات، كلها إجراءات كان يفترض أن تحقق شعار الغاز الوطني (جرة غاز) بالشهر لكل أسرة. رُفع الشعار، وغاب الغاز.
وبعد..
قد تطول السلسلة، لا كهرباء كما يجب، ولا ماء كما كان الوضع، وغلاء فاحش، وأسعار منفلتة من عقالها، ليكون مواطننا السوري، المتضرر والضحية، والصامت على كل غيظه، ويترك عرش شخصية العام التي يستحقها، كما درجت وسائل الإعلام على هذه التصنيفات، ويخلي المكان إلى الخبز والمازوت والغاز و…إلخ، لتصبح أيضاً تستحق هذا التصنيف، الأول من نوعه، هذا هو واقع لابد من الاعتراف بمدى قسوته.