الزراعة وقرارنا السيادي
كثير من المساحات المزروعة خرجت من الخدمة في ظلِّ الأزمة السورية إذ جرى تخريبها وسرقة محصولها، إضافة إلى صعوبة إيصال المواد اللازمة للزراعة إلى الفلاح بسبب انعدام الأمن على الطرقات، ناهيك بفقدان المحروقات وانقطاع الكهرباء وغير ذلك من الأساسيات التي بات وجودها شبه مستحيل حالياً، ما أدى إلى عدم زراعة وفلاحة الكثير من الأراضي، ومن جانب آخر ارتفعت تكاليف الإنتاج ومستلزماته إلى مستويات فاقت قدرة المزارع على تحملها ما أدى إلى عزوف الكثيرين عن الزراعة وافتراشهم طرقات المدن يبحثون في ساحاتها عن مصدر دخل جديد. لقد وصل حال الزراعة مؤخراً إلى درجة تتطلب دعماً مباشراً وحقيقياً للفلاح الذي هُمش في السابق. فلا شك أن بعض السياسات الزراعية في العقد الماضي أدت إلى تراجع مساهمة الزراعة في الناتج القومي نتيجة للسياسات التحريرية التي اتبعت.
إن غياب الرؤية الاستراتيجية لمستقبل الزراعة، تكاد تُضيِّع المحاصيل الاستراتيجية، ولاسيما القمح الذي بات اليوم يدق ناقوس الخطر، وهو على أبواب دورة زراعية جديدة، وما يلزمها من سماد ومحروقات وبذار وغير ذلك الكثير، لعل القائمين على الزراعة ينتبهون إلى خطورة ما يحدث، خاصة ما يتعلق بالمخاطر التي باتت تهدد المحاصيل الرئيسية، وبالأخص أننا بتنا نستوردها بعد أن كنا نتغنى بأمننا الغذائي واكتفائنا الذاتي.
المطلوب الآن تذليل عقبات الإنتاج، وخاصة البذار والأسمدة والمحروقات، وعدم السماح للسماسرة والمتلاعبين بالعبث بأسعارها ورفعها، الأمر الذي هو أحد أهم المعوقات التي يواجهها المزارعون وتحمِّلهم أعباء إضافية. فارتفاع أسعار الأسمدة مثلاً له منعكسات خطيرة على تنفيذ الخطة الزراعية. وعزوف الفلاحين عن تسميد أرضهم سيؤدي حتماً إلى انخفاض الإنتاج بنسبة 40% تقريباً في وحدة المساحة، كذلك ضرورة زيادة مخصصات الوحدة المساحية من البذار نظراً لعدم كفايتها، وخاصة ضمن الأراضي المروية، لكي لا يلجأ الفلاح إلى شراء البذار من التجار وبأسعار مضاعفة.
يضاف إلى ذلك العمل على توفير المحروقات التي بات تأمينها ضرورة ملحة لتلبية حاجة الآليات الزراعية وري المزروعات، والحرص على حماية الأراضي الزراعية منعاً من تعديات البعض عليها وتخريب المحاصيل، ومواصلة تقديم الدعم الزراعي المستحق للفلاح، مع العمل على تأمين وسائل النقل والطرقات من أجل سهولة إيصال ما يلزم للفلاح من مستلزمات زراعية بشقيه النباتي والحيواني، ولتصريف الإنتاج الذي تأثر في ظل الأزمة وأهدر الكثير منه نتيجة غياب الصناعات الزراعية أو الغذائية لتستوعب هذه المحاصيل. إذا انعكس ذلك على أسعار المنتجات وأدى لخسائر مضاعفة.. وبقي لسان حال المزارعين يسأل: أين وعود الوزارة؟
ختاماً.. إن الزراعة خيارنا الاستراتيجي أمنياً واجتماعياً واقتصادياً، ويجب أن نعزز مكانتها لأننا بلد زراعي وهي أساس سيادتنا وقوتنا والعمود الفقري لاقتصادنا، الأمر الذي يتطلب تدخلاً إيجابياً من الدولة، ورسم سياسات زراعية من أجل تأمين سلامة محاصيلنا وخاصة القمح، والسعي إلى وضع خطط الدعم التي يجب أن تأتي لمصلحة الفلاح، وكذلك العمل على تسويق منتجاتنا داخلياً وخارجياً لاسيما في الوقت الراهن.