نصف الفرنسيين يَشكون فقرهم والمشرّدون يغرون الساسة بالمزايدات!
مع كل تدنٍّ لدرجات الحرارة في فرنسا يتذكر الوسطان الإعلامي والسياسي كالعادة، المشرّدين المرتمين على الأرصفة والمقاعد العامة في المدن، وكذلك الفقراء الذين تزداد أوضاعهم بؤساً في الشتاء لافتقارهم إلى المال اللازم للتدفئة.
وبما أن التشرّد والفقر يتسببان سنوياً في وفيات، فهما في مثل هذه الفترة من السنة موضوع دائم الحضور إعلامياً ومحور مزايدات واقتراحات في الوسط السياسي.
لكن هذه الاقتراحات وما تعكسه من نيات حسنة، سرعان ما تظهر حدود فعاليتها في ضوء الأرقام التي تؤكد أن عدد الفقراء في ارتفاع مستمر، وأن كل ما اعتُمد من إجراءات في هذا المجال منذ عقود لم يحدّ من تفشي الفقر.
وفي ظل الأزمة الاقتصادية القاسية التي تشهدها فرنسا يكاد الفقر أن يكون تهديداً يومياً مسلطاً على رقاب نصف الشعب الفرنسي، خصوصاً الموظفين والعمال والمتقاعدين، وفقاً لاستطلاع للرأي نشرت نتائجه صحيفة (لي زيكو) الاقتصادية الفرنسية.
وأشار الاستطلاع الذي أعدّه معهد (سي إس إ) إلى أن 48 في المئة من الفرنسيين تقريباً يشعرون بأنهم فقراء أو على وشك، كما أظهر أن 11 في المئة من الفرنسيين يعدّون أنفسهم فقراء، في حين أن 37 في المئة يرون أنهم على عتبة التحول إلى الفقر.
وتبيَّن أن الشعور بالفقر يزداد حدة مع التقدّم في السن، إذ إن نسبة الشباب الذين يشعرون بتهديد الفقر تبلغ 15 في المئة. وهذه النسبة ترتفع إلى 34 في المئة لدى الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و34 سنة، وتصل إلى 42 في المئة لدى مَنْ هم فوق سن الخمسين.
ويسبق الاستطلاع الندوة الخاصة بمكافحة الفقر، التي ستعقد يومي الاثنين والثلاثاء المقبلين في باريس، وتضم الجمعيات المعنية والوزارات والجهات الرسمية.
وفي إطار الإعداد للندوة أكدت الجمعيات المعنية بمكافحة الفقر أن الخروج من دوامة الإجراءات المحدودة الجدوى يقتضي إحداث (صدمة تضامنية)، مستعيرة التعبير الذي استخدمه الرئيس فرانسوا هولاند، وهو (صدمة تنافسية) لإعادة إنعاش الإنتاج الفرنسي.
وأقرّت هذه الجمعيات بأن الفاتورة المترتبة على الصدمة التي تطالب بها ستكون بالغة الارتفاع، وتقدر بنحو 15 مليار يورو لتغطية حاجات الفقراء العاطلين عن العمل، من المداخيل والطبابة والسكن وتأهيلهم لتمكينهم من مزاولة نشاط مهني مجدداً.
وتدرك هذه الجمعيات جيداً أن التمويل غير متوافر، وينبغي ابتكار أساليب جديدة لتأمينه، وترفض ما يقال من أن هذه المبالغ ستنفق بلا نتيجة، خصوصاً ما يتعلق ببرامج إعادة التأهيل المهني.
وقد رأت الوزيرة المكلفة بشؤون المعوقين والمستبعدين ماري- أرليت كارلوتي أن (ليس على الفقراء أن يتحمّلوا نفقات أزمة الموازنة)، من دون أن توضح كيفية تجنبهم ذلك، في ظل العجز والمديونية اللذين رتّبا أعباء ضريبية إضافية على المواطنين.
وستجد كارلوتي نفسها مطالَبَة بتوضيح الأمر أثناء الندوة. وإذا كان لديها بعض الإجابات والاقتراحات فإنها لن تكون بالطبع بمستوى توقعات الجمعيات، ما يتيح ترجيح نقاشات وجلسات صاخبة.
لكن الندوة لن تسفر، في ظل التردي المالي والاقتصادي لفرنسا، عن أكثر من مجموعة إجراءات تتيح للمسؤولين إراحة ضمائرهم في انتظار عودة درجات الحرارة إلى الارتفاع.
عن «الحياة»