تناقص عماله 10 آلاف في خمس سنوات.. «العام» الصناعي… لا للتوظيف

أكثر ما يثير الحزن والتساؤل في القطاع العام الصناعي، هم عماله، أصحاب (الأفرول) الأزرق، الذين ظلوا لفترة طويلة موسومين بالزنود السمر، وبالطاقة الانتاجية العالية التي يمتلكونها. هؤلاء لم يعودوا حالياً كما كانوا، ولم تعد كلمتهم هي العليا في الحياة الاقتصادية، بل إن صوتهم غير مسموع، وغير مرغوب في سماعه أيضاً، لدى الجهات التنفيذية والوصائية. ويشك في أمر مطالبهم، التي تحولت إلى مطالب مكررة سنوياً، تختلف نسختها التي تجدد برقم المؤتمر النقابي الذي تعقده، أو الكتاب الذي تنظمه.

بدا لافتاً، وصادماً، ما أظهره مسح للمكتب المركزي للإحصاء، كشف فيه تناقص عدد عمال القطاع العام الصناعي 10337 عاملاً، خلال الفترة من 2006 إلى 2010، إذ تناقص عددهم خلال الفترة المذكورة على التوالي بدءاً من العام 2006 من 97394 عاملاً إلى95531، إلى 94061، إلى 88659 إلى 87057،عاملاً عام 2010. هذا التناقص تزامن مع سياسات الحكومة وقتذاك (حكومة عطري ونائبه الاقتصادي الدردري)، التي اتخذت موقفاً سلبياً من القطاع العام الصناعي على وجه الخصوص، ومن كل القطاع العام على وجه العموم. وذهبت هذه الحكومة في إجراءاتها الليبرالية الجديدة، والليبرالية المتوحشة، أبعد من ذلك، بأن بدأت تمهد لتصفية القطاع العام الصناعي، وبيعه، بطرح شركاته للاستثمار تارة، أو الاصرار على عدم تجديد خطوط إنتاجه تارة ثانية، ومنعه من الاستفادة من فوائضه الاقتصادية تارة أخرى. إضافة إلى سلسلة من الإجراءات التي ركزت على وأد هذا القطاع، دون شفقة، أو رحمة، به أو بعمالته، أوالأسر التي تعتاش من خلف آلاته، ضاربة  أي الحكومة  عرض الحائط أيضاً بالموارد المالية التي كان يغذي فيها خزانة الدولة بالتزامه بتسديد الضرائب. عشرة ألاف عامل خسرتهم الصناعة في خمس سنوات، والاقتصاد السوري يعاني أشد وأخطر أزمة تعصف به، وهي مستمرة منذ عقود، وهي البطالة، التي ارتفعت نسبها تباعاً، ولم تعد نسبة 14 بالمئة المعلنة قبل عامين، هي النسبة الحقيقية، فهناك من يقدرها بنحو 40 بالمئة. هذا التناقص، المخيف في اليد المنتجة، التي تقف وراء الآلات، وتدير المعامل، حاولت الحكومة أن تتركه طي الكتمان، وأن تجعل منه، قضية ثانوية. في الوقت التي أنجزت دراسة بالتعاون مع إحدى المنظمات الأممية حول البطالة داخل المؤسسات الصناعية، لاسيما البطالة المقنعة، وتحميل العمالة مسؤولية الخسارة المتتابعة في القطاع الصناعي العام، لتكشف الدراسة خطأ التصورات المسبقة، وعدم دقة الآراء التي كان يتقدم بها مديرو الشركات والمؤسسات التي جعلت من الخسائر كرة في ملعب هذه العمالة. في بلد يبحث عن التنمية، بالاعتماد على قدراته الذاتية، نتيجة لمجمل الظروف التي تحيط به، يبدو التغاضي الحكومي عن تناقص العمالة في القطاع العام، المنتج، أمراً غير بريء،  وقضية لابد من وقوف أحد وراءها ليسمح بكل هذا التساهل. والأخطر من كل ذلك أن الشركات الصناعية، كانت تعاني قبل الأزمة في سورية، نقصاً حاداً في بعض التخصصات. وهناك خطوط إنتاج بأمس الحاجة إلى تعيينات جديدة، وضرورة رفدها بدماء شابة وماهرة ليتسنى لها تعلم مهارات العمل، التي لابد أنها تتأتى من الخبرات المتراكمة لشيوخ الكار الحقيقيين الذين أفنوا عمرهم وراء آلاتهم، وداهمهم العمر، والقوانين والأنظمة التي ستدفع بهم حتماً للتقاعد.

عشرة آلاف عامل، يمثلون عشرة آلاف أسرة، متوسط عدد أفرادها 7,5 أفراد حسب الإحصاءات الرسمية، كان من الممكن تأمين لقمة العيش الكريمة لها، وتوفير فرص عمل لمعيليها، بدلاً من انضمامهم إلى صفوف البطالة التي تحولت إلى وحش ينهش بمستقبل البلد وأبنائه. عشرة آلاف فرصة عمل تمثل رقماً مماثلاً من الأمل الذي كان ينتظره كل أب يبحث ابنه عن فرصة عمل تحفظ مستقبله، وتؤمن له احتياجاته الحياتية، بدلاً من الوقوف الذليل في طوابير أمام السفارات العربية والأجنبية بحثاً عن تأشيرة عمل. وأي عمل، للخلاص من واقع مزر، فتحول حلم المشاركة في بناء البلد، ودعوات الحكومة التشاركية، إلى سرمد، أو في أفضل الأحوال، إلى تشاركية يقودها نخبة محددة من كبار رجال الأعمال، شركاء للوزراء، وليسوا شركاء في الحياة الاقتصادية.

العدد 1140 - 22/01/2025