حكومات حوّلت الثروات الوطنية إلى نقمة اقتصادية… وريعها يذهب لكبار الفاسدين
لا أحد ينفي تهريب أغنام العواس، من المسؤولين السوريين المعنيين بهذا الملف، إلا أن تأكيدات الاتحاد العام للفلاحين، بوجود تهريب لهذه الثروة، يثير الأسئلة التي تطرح في الخفاء، ويشير إلى انتفاخ هذا الملف، دون تحريك ساكن لمعالجته، لوقف نزيف ثروة أخرى يطولها الاستهداف، عبر منظومات الفساد. وتبدو القرارات التي تصدرها وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، بالسماح أو منع تصدير العواس، لاقيمة لها، ولا تؤدي إلى أي نتيجة، ولا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به، مادامت منظومات الفساد الكبير، تُصدِّر العواس متى تشاء، وتوقفه متى رغبت، ضاربة عرض الحائط بكل القوانين والقرارات المتعلقة بهذا الأمر، وغير عابئة بالعقوبات التي قد تترتب عليها، هذا في حال ضُبطت متلبسة.
ثمة قضية اقتصادية شائكة في سورية، قد لا نجد مثيلاً لها في العالم، فالثروة التي تمتلكها، أياً كان نوعها، تتحول إلى مشكلة، وبدلاً من الاستفادة من هذه الثروة، وجعلها من بين عناصر القوة التي يتمتع بها الاقتصاد الوطني، تتحول إلى عنصر ضعف، وحالة للفساد، وطريقة للإثراء غير المشروع. والأنكى من ذلك أن الحكومة تغض الطرف عن هذا الأمر، وتتركه يتمادى، حتى باتت استطالاته وجذوره عميقة، وضاربة في كل أرجاء المؤسسات ومفاصلها.
وبالعودة إلى العواس، لا يوجد إحصائية دقيقة توثق عدد أغنام العواس، والرقم المتداول وهو 18 مليون رأس، قابل لشك المعنيين بهذه الثروة أولاً. والتجارب السابقة تثبت ذلك. فعندما كانت الحكومة تقدم دعماً للأعلاف، يسجل المربون الوهميون أي فاسدو الثروة الغنمية وقواهم أعداداً من الأغنام ليحصلوا على الأعلاف لبيعها في السوق السوداء، هكذا ببساطة كانت تتم العملية، دون أي رادع أخلاقي، أو قانوني، وتمر دون محاسبة تليق بالمخالفين. وبالمسطرة ذاتها يمكن القياس اليوم. تُحصى الثروة الغنمية، وبناء على أعدادها يُسمح بالتصدير، أو يبقى المنع ساري المفعول، هذا للمربين الحقيقيين، الذين فعلاً يستحقون مكافأتهم بالسماح لهم بالتصدير، لتشجيعهم، وزيادة عددهم، وإعطاء محفزات ومزايا لهم. لكن للأسف هؤلاء هم المظلومون، الذين لايستفيدون من القرارات الحكومية التي تصدر من أجلهم، فيتلقفها الفاسدون، ويستعدون لها قبل صدورها أحياناً، ويضغطون عبر قواهم وشبكاتهم للدفع بالاتجاه الذي يريدونه، وتوجيه بوصلة القرارات نحوها.
مشكلة تهريب الاغنام، تتجاوز مايفوّت على خزانة الدولة من ضرائب ورسوم تتأتى من هذه العملية الاقتصادية، ويمكن أن تغذيها بأموال هي بأمسِّ الحاجة إليها، هذه المشكلة تتعلق بالمس المباشر بالثروات الوطنية، وعناصر قوة الاقتصاد السوري، وتقترب من الخطوط الحمر التي يجب عدم تخطيها، والمرتبطة بتأمين المواد الغذائية للمواطن، وعدم المساس بلقمة عيشه، وضرورة تأمين مادة لاغنى عنها. وذهب المهربون إلى أبعد من ذلك، وما حذَّر منه اتحاد غرف الزراعة أخطر من كل ما يمكن تصوُّره، لاسيما لجهة تحذيره وتنبيهه من خطورة ذبح إناث العواس، لينفتح باب الأسئلة المؤلمة، من هم الذين يقومون بهذا العمل غير الأخلاقي؟
ثروات سورية، والعواس إحداها، هي دعم لاقتصادها، وتؤمن فرص عمل لأسرها، ومصدر رزق للعاملين فيها، ولكن دخول الراغبين في اكتناز الثروات السريعة إلى هذه المجالات، أساء للقطاعات المنتجة، ودفع باتجاه اتخاذ إجراءات ألحقت الضرر بالمنتجين الحقيقيين، فبقاء عملية السماح ومنع تصدير العواس خاضعة لمزاجيات معينة. وحسب واقع التربية كل عام، وتقديرات احتياجات السوق المحلية، جعل من عدد المربين يتناقصون تباعاً، وتخضع هذه المهنة لاعتبارات غير اقتصادية، كأن يقوم البعض بالتربية بانتظار أن تسمح وزارة الاقتصاد بالتصدير ما يؤدي إلى رفع أسعار العواس. وهذه النقطة المحورية، مادام التصدير يكون بناء على دراسات وتقديرات احتياجات السوق المحلية، والفائض يسمح بتصديره. لماذا تشهد الأسواق المحلية ارتفاعات ملحوظة في أسعار أي مادة يسمح بتصديرها؟ هل هو ضعف الرقابة، أم خطأ الدراسات التقديرية؟ أم أنه كالعادة ظهور طبقة المستغِلين (بكسر الغين) الذين يتحينون الفرص الدسمة؟
لم يعد مقبولاً أن تبقى ثروات سورية مصدراً للفساد، ومطرحاً خاضعاً لإرادة الفاسدين، وبالذات الكبار منهم، والمتاجرين باقتصاد البلد، والذين يبحثون عن ربحهم مهما كانت الظروف. وما أغنام العواس سوى أنموذج لعدد كبير من الثروات التي حولتها الحكومات المتعاقبة بفضل تراخيها وترهلها وشراكتها أيضاً إلى نقمة على الاقتصاد الوطني، وإلى قضايا إشكالية، بل جعلتها تلك الحكومات ثروة تملكها سورية، ولاتستفيد من خيراتها.