وزير الصناعة.. ماذا بعد المذكرات الإصلاحية؟
ثمة نقطة جوهرية واضحة، في كل المشروعات والرؤى المطروحة لمعالجة واقع القطاع العام الصناعي، هي العودة إلى المربع الأول. وهذا المربع يمكن اختصاره بما جرى بعد إيقاف حكومة محمد ناجي عطري مشروع قانون إصلاح العام الصناعي. ويومذاك عقد وزير الصناعة الأسبق فؤاد الجوني مؤتمراً صحفياً لم يشأ الإجابة فيه عن سؤال ل (النور): من أوقف مشروع قانون إصلاح القطاع العام الصناعي؟ إذ تهرب الجوني من الإجابة، نزولاً عند رغبة الموقف الحكومي بأن يظهر الوزراء فريقاً واحداً، متجانساً، متفاهماً. بينما كل المؤشرات آنذاك كانت تعكس حجم التناقض الهائل في المواقف والتوجهات بين أعضاء الفريق الاقتصادي الحكومي، اقتصادياً وفكرياً.
وثمة إشارات واضحة بأن إيقاف المشروع المذكور، سببه وزير المالية الأسبق محمد الحسين، الذي رفض أن تمول خزانة الدولة مشروع الإصلاح، حسبما أفادت مصادر حكومية. وسئل الجوني يومذاك أيضاً عن خلاف بينه والحسين؟ فنفى الجوني ذلك، وتحدث عن التعاون بين جميع الوزراء، رغم أن وجود خلاف برأينا لم يكن يفسد للود بين الوزراء قضية. لكن ما جرى من نفي وتعطيل لمشروع القانون المذكور، وابتعاد الحكومة عن العام الصناعي وإهمالها له، أفسد عمليات تطوير القطاع العام الصناعي، وجعل الصناعة بشقها العام، تتدحرج إلى الوراء، فزادت عناصر الضعف، وتراكمت الخسائر في بعض الشركات، وغيرها من السلبيات المعروفة التي عصفت بالقطاع العام الصناعي.
هذا الكلام مضى عليه نحو ست سنوات على الأقل، وقبله أيضاً، يمكن استنباط مواقف مشابهة، لوزراء الصناعة السابقين، الذين تسلموا حقيبة قاطرة النمو، بعرباتها المتهالكة، والمعطلة عن العمل، فلم يجدوا السكة الصحيحة التي يجب أن تسير عليها تلك القاطرة، ولم يتمكنوا من إصلاح ما أفسدته كل القوى التي عاثت فساداً بالمؤسسات والشركات الصناعية، وأدت ممارساتها إلى تخريب الصناعة تخريباً ممنهجاً، حتى وصلت القضية إلى حالة العجز عن القيام بالإصلاح.
قد تكون الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ عامين، سبباً كافياً، لتبرير كل خيبات الصناعة، فالحديث اليوم عن إصلاح الصناعة، يبدو إلى حد ما أنه كلام خارج السرب، هذا ظاهرياً، لكن في العمق والجوهر لايوجد ما يعرقل ويعطل إصلاح شركات العام الصناعي. وأكثر من ذلك فإن الظروف السائدة، والعنف المتصاعد، تفرض حتمية عدم توقف كل ما يتعلق بمشروعات ومبادرات إصلاح الشركات الصناعية، تحت أي مسمى، شركة شركة، أم مؤسسة مؤسسة، أو قطاعاً قطاعاً. لاضير في كل هذا، فالمهم والضروري عدم التراخي، وجعل الأزمة مبرراً إضافياً للسنوات القادمة تضاف إلى ماسبق من تراخٍ وترهل، أدى إلى ظهور عيوب ونواقص ليست معالجتها سهلة.
وزارة الصناعة التي حاول وزراؤها السابقون، جعلها وزارة للصناعة الوطنية، أقرت في مذكرة لها مجمل نقاط ضعفها، وهي بشكلها العام لاتختلف عن كل المواقف السابقة، والمذكرات القديمة، التي درست واقع الصناعة، وقدمت مقترحات، لو أخذ بجزء بسيط منها، لكانت الحصيلة اليوم بقاء القسم البسيط جداً من متطلبات النهوض وتطوير قاطرة النمو. في المذكرة عينها، ثمة تصويب مباشر على ماسبق من مقترحات، وعدم اتخاذ إجراءات فاعلة وحقيقية في مجال تطوير وإصلاح الصناعة. فالتخلف التكنولوجي وضعف البنى الإدارية، ووصول عديمي الكفاءة أحياناً إلى مفاصل إدارية متقدمة، والموقف من العمالة غير الماهرة وغير المدربة والضعيفة الإنتاجية، والفساد، والقوانين والتشريعات والقرارات المعرقلة….إلخ، كلها قضايا قيل فيها الكثير، وطرحت على النقاش، ووضعت على طاولة البحث غير مرة، وسمعنا وعوداً وتأكيدات مباشرة من وزراء سابقين، لإصلاح الصناعة بمؤسساتها وشركاتها، انطلاقاً من هذا التوصيف.
إلا أن ما تحقق على الأرض لا يعادل قيمة ما قيل، أو الوقت الذي زهق لإعداد الدراسات والمقترحات والندوات و…إلخ. ولابد من الإقرار أن كل وزير صناعة جديد كان يبدأ من الصفر، لا لأنه غير مقتنع بما كانت قد أعدته سابقاً اللجان والوزراء، بل على ما يبدو لأن إمكان القيام بخطوات حقيقية وفعلية للإصلاح لم تكن متاحة، وغير متوافرة، نتيجة تعاظم دور القوى الرافضة والممانعة للإصلاح. والذين أطلق عليهم أحد الباحثين في دراسة له تسمية (أعداء الإصلاح)، وهو ما تعترف به وزارة الصناعة بمذكرتها. هذه القوى لم يتمكن وزير صناعة من زحزحتها، ولم يستطع أن يغير مواقفها وممارساتها، ولم تسانده الجهات الوصائية صاحبة القرار، في دك معاقلها، وخلخلة بناها، ومحاسبتها، وجعلها ترضخ لكل مبادئ سيادة القانون، وإلغاء حالة أن تعد نفسها فوق المحاسبة، وفوق القانون، لاعتبارات تتعلق بتشابك مصالح هذه القوى مع الذين يجب أن يحاسبوها.
كل المؤشرات المتعلقة بالصناعة، تفرض الاسراع بإجراء تغييرات جذرية لإصلاحها، والتخلي عن حالة الترهل والخمول، والارتقاء من حالة الدراسات وتقديم المقترحات، إلى مرحلة البدء بتنفيذ ما يمكن تنفيذه، فالمرحلة القاسية التي تمر بها البلاد تتطلب قطاعاً عاماً قوياً، وقطاعاً صناعياً منافساً. ولم يعد مقبولاً طرح آراء من قبيل إصلاح أو إلغاء العام الصناعي، لأن الحاجة الملحة والماسة والحتمية لقاطرة نمو(عامة) لاتترك مجالاً لمثل هذه المواقف، التي ظاهرها الحرص على الأموال العامة، وباطنها طي صفحة تتجاوز نصف القرن من بناء قطاع عام صناعي منافس، وملبٍّ لاحتياجات البلاد من بعض السلع والمنتجات، وخالق لفرص العمل، ومغذٍّ لخزانة الدولة بجزء من الموارد المالية.
في الصناعة السورية ثمة كثير من نقاط القوة التي يمكن الارتكاز إليها، إلى جانب عدد من نقاط الضعف التي تحتاج إلى معالجة، مايتطلب من وزير الصناعة الدكتور عدنان السخني، الذي هو صناعي بالأساس، أن يضع خطته الآنية، في الحد الأدنى، والخطوات الراغب في القيام بها، لمعالجة واقع القطاع العام الصناعي، وربما المضي نحو إصلاح الصناعة الوطنية.