هكذا يواجه المواطن أزمة الكهرباء.. استغلال وسرقة في وضح النهار.. وأمل بعودة الكهرباء!
(ملّينا.. مطولة هيك الكهربا.. أجت الكهربا…ع السريع قبل ما تقطع الكهربا..)، هذه العبارات هي الأكثر تداولاً على ألسنة المواطنين حالياً، منذ بدء برنامج التقنين الكهربائي الذي تجاوز 16 ساعة في كثير من المناطق.. حالياً وزارة الكهرباء لا تزال مستمرة على هذا البرنامج، ولكن هل علمت أن هذا البرنامج جعل الاستغلال على أوجه، خاصة من قبل ضعاف النفوس، كيف ذلك؟
الجواب عن هذا السؤال هو ما رأيته بأم عيني وسمعت به من الكثير من المواطنين، فقد دفع برنامج التقنين الذي يقوم على تقنين مخارج كهربائية معينة لمدة معينة والإتيان بأخرى في الوقت نفسه، إلى جعل سرقة الكهرباء أمراً يومياً وعادياً وأمام أعين الجميع، بل وساعد بهذه السرقة بعض عمال طوارئ الكهرباء أنفسهم! كيف ذلك؟! الجواب هو أنه عندما يتم تقنين خط كهربائي ويأتي خط كهربائي آخر في الوقت نفسه، فإن ذلك دفع عديمي الضمير إلى تعليق الكابلات الكهربائية على الشبكات العامة، بمساعدة بعض عمال طوارئ الكهرباء، ومقابل مبلغ يصل إلى 5 آلاف ليرة سورية لكل خط يتم تركيبه على الشبكة العامة، ضاربين بعرض الحائط أن سرقة الكهرباء هي اعتداء على حقوق الآخرين، هي سرقة للمال العام، وهي ضرر عام، ولكن هل من تحرك للقضاء على هذه الظاهرة أو معالجتها؟
وزارة الكهرباء ببرنامج التقنين الذي لم يتغير أو يتحسن منذ نيسان الماضي حتى أيامنا هذه، أي منذ الاعتداء الإرهابي على خط الغاز العربي وبعض محطات التوليد، جعلت المواطن يسعى إلى البدائل المتاحة لتلبية حاجته من الضوء ومن الكهرباء، فكيف واجه المواطن أزمة الكهرباء الحالية؟
المدخرات للحصول على الضوء
المواطن في سبيل الحصول على الضوء توجه إلى الأوفر، وخاصة مع ارتفاع أسعار المحروقات من بنزين ومازوت، فقد اتجه إلى شراء المدخرات وتركيبها على (الليدات) للحصول على الإضاءة ليلاً.. وبالطبع ذلك أدى إلى رفع الطلب عليها كثيراً مع تأرجح في أسعارها.. فعملية الحصول على الضوء من بطارية صغيرة و(ليد) لا يتجاوز طوله المتر فقط، يكلف المستهلك ما لايقل عن 3500 إلى 4 آلاف ليرة، ولكن أيضاً أصبحت تصطدم بطول ساعات التقنين الكهربائي، ذلك أنها لم تعد تشحن كثيراً مما يعرضها للنفاد السريع! وبالطبع المدخرات الخاصة بالسيارات كانت ملجأ هي الأخرى، فاتجه المواطن الذي لديه سيارة إلى استعمال بطارية سيارته للحصول على الضوء ضمن منزله، فقام بوصل شريط كهربائي إلى (الليدات) الموجودة في منزله وتغذيتها من بطارية السيارة.
المولدات أصبحت للأثرياء
أما المولدات فقد اقتصر استخدامها على ذوي الدخل الميسور، لأن تكلفة التوليد مرتفعة حالياً، فتوليد ساعة يحتاج إلى مصروف ليتر من البنزين أو المازوت على الأقل أي ما يتجاوز 100 ليرة في الساعة. وبالطبع ساعات التقنين الكهربائي تتجاوز 16 ساعة، أي أن المولدة تحتاج إلى راتب شهري خاص بها لكي تغطي فترة التقنين المذكورة. وعلى الرغم من ارتفاع تكاليف التوليد باستخدام المولدات، فلم يعد يخلو منزل من مولدة، سواء صغيرة الحجم أم كبيرة، مما زاد الطلب على المولدات ورفع سعرها، على الرغم من سوء تصنيعها ولا نعلم ما هو بلد المنشأ الذي أتت منه، وأصبحت أصوات المولدات لا تملأ من الشوارع وباتت مصاحبة المواطن حتى في منامه واستيقاظه، فالضوضاء أصبحت عرفاً للأسف في حياتنا اليومية.
لا يخفى على أحد أن انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة أدى إلى خسائر كثيرة في العمليات الصناعية والتجارية وحتى على المستوى المنزلي، فمثلاً تعرض المستهلك لخسائر فادحة بمؤونة الشتاء التي تعرضت للتلف لغياب التبريد عنها، سواء الفول والبازلاء وغيرها من الخضار، عدا تلف اللحوم من فروج ولحوم حمراء.. ولا ننسى أيضاً أنه تعرض للغبن الصحي من جهة أخرى لأنه يشتري سلعة مرتفعة الثمن وغير صالحة للاستهلاك البشري، وهذا أدى بطبيعة الحال إلى تغيير العادات الاستهلاكية في أسواقنا، فانخفض الطلب كثيراً على المواد السريعة التلف التي تحتاج إلى حفظ ضمن درجات حرارة باردة مثل الألبان والأجبان واللحوم، خاصة أن هذا الصيف شهد ارتفاعاً غير اعتيادي في درجات الحرارة.
أما الوسيلة الأوفر للحصول على الضوء فكان الليد الخاص بالهاتف الذي حافظ على أدائه طوال أزمة الكهرباء، مما زاد الضغط على مقاسم الهاتف، وأدى ذلك في بعض الأحيان إلى نفاد مدخرات المقاسم، وانقطاع الاتصالات، وقد حافظ الليد على سعره وهو بين 150 و200 ليرة، ولكن المواطن لا يحتاج فقط إلى ضوء، بل يحتاج إلى كهرباء تقضي معظم حوائجه اليومية، وهناك من المواطنين من اكتفى بشراء الشموع والشواحن العادية.
ولا ننسى أنه مع أزمة الكهرباء تولدت أزمة المياه وتجارتها واستغلالها، ووصل سعر الليتر إلى ليرة سورية، أي أن ألف ليتر سعرها ألف ليرة، وهناك أسر تحتاج إلى شراء مياه يومياً، وهذا ما حدث مع كثير من الأسر التي باتت تشتري مياه الشرب يومياً وتقتطع من دخلها لتأمينه، على أن هناك بعض مناطق ريف دمشق لا تأتي المياه فيها إلا مرة كل أسبوع وربما أكثر، ودفع ذلك بالمواطنين إلى شراء (المضخات) التي تعمل على ضخ المياه إلى خزاناتهم، مما أثر على غيرهم من المواطنين، كما رفع الطلب على خزانات المياه، سواء الحديدية والبلاستيكية، مما رفع أسعارها لتبلغ ما بين 14 و16 ألف ليرة لخزان سعة ألف ليتر.. وسأل المواطن: متى ستتوفر المياه والكهرباء معاً؟
المواطن يتكيف وينتظر الأمل الكهربائي
واستطاع المواطن السوري أن يبرهن على قدرته على التكيف مهما كانت الظروف صعبة، فقد استطاع التعايش مع أزماته المعيشية، ولكن يبقى ينتظر آملاً عودة حياته إلى طبيعتها، ويبقى منتظراً أن تعود الكهرباء إلى طبيعتها السابقة، فهو يتمنى أن يكون برنامج التقنين 8 ساعات انقطاع كما كان في العام الماضي، وهو يتابع بشوق وصبر كل التصريحات التي تدلي بها وزارة الكهرباء عن مصير برنامج التقنين الذي أصبح لا يطاق ولا يحتمل، مع غياب العدالة في التوزيع بين منطقة وغيرها..
ما نود الإشارة إليه هو أنه على الرغم من تراجع إنتاج الطاقة الكهربائية في سورية إلى نصف الكمية المطلوبة، وفق رئيس مجلس الوزراء وائل الحلقي، ينتظر المواطن عدالة التقنين وعدالة التوزيع، وينتظر مكافحة السرقة التي أصبحت تجري تحت أعين المسؤولين عنها، ويطالب أن تكون الخدمة المقدمة من وزارة الكهرباء جيدة لا مجرد خدمة، وهي لا تتوانى في أن تطالب من المواطن بدفع الفواتير، المواطن حالياً مازال ينتظر أن تعود بلاده منيرة، وغير مظلمة، فمتى يتحقق ذلك؟..