أمهات سورية… وقفة خشوع لصبركن العظيم!
للسنة الثانية، ينأى عيد الأم بنفسه عن أمهات سورية، لأن وشاح الحزن مخيّم عليها، وأمهاتها غارقات في لُجج الأنين.
للسنة الثانية، يحلُّ عيد الأم في سورية وقد أُنهِكَت أمهاتها الثكالى والأرامل والمفجوعات بشتى أنواع الفجائع والمحن.
للسنة الثانية يحلُّ عيد الأم، وأمهات سورية تكوي مآقيهن دموع الحزن وصبر الانتظار..
فأيُّ عيد لمن فُجِعَت بابنها الذي قضى تحت التعذيب.. أو برصاصة قنّاص.. أو في اشتباك بين طرفين كانا بالأمس إما جيراناً أو إخوة ورفاق حيّ أو مدرسة أو عمل.. وربما قضى أمام عينها تحت ركام منزل كان كل لحظات العمر ومراحله وذكرياته.
أيُّ عيد لأم ما زالت عيناها ترمقان غداً علّه يحمل عودة ابنٍ مفقودٍ أو مخطوفٍ أو معتقل، حتى كادت آمالها أن تتلاشى أمام مرارة الانتظار…!
وأيُّ عيد لأم قارعت اغتصاب ابنتها بلا حول لها ولا قوة، دون أن تُدرك حمايتها من وحوش بشرية آثرت انتهاك الإنسانية بتمزيق أنوثة الحياة على أعتاب حقدٍ لا حدود له، أو شهوات مريضة تستغل فوضى الحياة لتروي عطش شذوذها.. أو عطش حقد متوارث قابع في دهاليز نفوس مريضة مأزومة منذ قرون…!
أيُّ عيد لأم تناثر عمرها أشلاءً تحت وقع انهيار بيتٍ أخذ منها أجمل سني عمرها حتى شيدته بدموع الحاجة وأثثته بآهات العوز والجوع لتراه اليوم ركاماً منثوراً…!
وأيُّ عيد لأم تفتقد اليوم من يُعينها على أعباء أسرة وأطفال فقدوا الأب في حرب لا ناقة لهم فيها ولا بعير.. حرب تُغذيها الأموال والمخططات على جميع الجبهات ومن جميع الأطراف، والخاسر الوحيد فيها هو الشعب البسيط، والوطن الذي كاد أن يغدو فقيداً..؟
أيُّ عيد لأم تذروها رياح النزوح أشلاء متناثرة أمام قسوة حياة المخيّمات وذُلّها، ووطأة القدر المتربص بأبنائها، حينما صار الصغار وقوداً لغضب الطبيعة وفتك المرض…!؟
أيُّ عيد لأم أرغمتها ضراوة غربة التهجير على تزويج طفلتها تحت وطأة الذعر على شرف مزعوم انتُهك على عتبات الحرب والحاجة وأزمات الضمير…!؟
وأيّ عيد لأم أرغمها الجوع على افتراش الدروب تسولاً من أجل سدّ رمق أطفال لا يعرفون معنى ضرائب الحروب ودافعيها من الفقراء والمساكين…!؟
وأيُّ عيد لأم أبعدها جهلها وضيق وعيها عن مسارب الكرامة، فأرغمتها الفاقة على امتهان سوء المسالك لتفادي ضنك العيش وبؤس المصير…!؟
أيُّ عيد لأم تسكن المقابر تناجي زوجاً وأبناء وأحبة كانوا بالأمس دنياها وجنتها، فقضوا اليوم في حروب الردّة المزعومة والكرامة المهدورة، على يد إخوة وجيران وأصدقاء الأمس القريب..؟
وأيُّ عيد للأم ذكراه ما زالت ندية كتراب لحدها، يزوره أطفال لم يشبّوا بعدُ عن الطوق، تذروهم رياح اليُتم مبعثرين في دروب الحياة بلا مُعيل…!؟
فيا جميع أمهات سورية.. للسنة الثانية لا يمكننا أن نقول لكنّ: كل عام وأنتنَّ بخير يا أمهات الوطن!
ويا جميع أمهات سورية لا يمكننا إلا أن ننحني إجلالاً أمام عظمتكن التي سطّرت بلا شكّ وطرّزت وشاح الوطن بصبرٍ لا ينفد ولا يلين.
لَكُنَّ أمهاتنا في كل يومٍ.. لَكُنَّ أمهات سورية وقفة خشوع لصبركن العظيم!