أمي… يا أجمل من الحب !
عيد الأم في بلادنا في الحادي والعشرين من شهر آذار من كل عام، غرست في قلوبنا مودّة لا تبلى، جمال الحياة ثمرة من ثمرات أمّنا الطيبة، لا يقرّ لها قرار أو يهدأ لها بال إلا براحتنا وسعادتنا.
تعود بداية هذا العيد في عصرنا الحديث إلى حكاية إنسانية رائعة، فهناك فتاة أمريكية تسمى (جان غارفس) كانت أمها معلمة غرست في قلبها مودة لا تبلى، وأفرغت عليها ثقافة لا تنسى، فلما شبَّتْ هذه الفتاة كانت تشعر أنها ثمرة من ثمرات أمها الطيبة، وأنها لولا تلكَ الأم الفضلى لمْ تكن شيئاً، فدعت سنةَ سبعٍ وتسعمئة وألف جماعةً من نساء قومها إلى احتفال تُكَّرم فيه ذكرى الأم.
وما كانت هذه الحفاوة الحديثة في زماننا بعيد الأم هدهدة لذكراها، وإنما كانت اعترافاً بالجميل والأثر البالغ في حياتنا وسلوكنا، وتقديراً للجهد المادي الثقيل الذي تقوم بهِ الأمهات منذ الزواج حتى الممات، وكفى بالحديث الشريف القائل(الجنة تحت أقدام الأمهات). فالأم دون الناس جميعاً تقوم بأية مهمةٍ أو خدمة تدعوها إليها أمومتها وطبيعتها دون أن ترجو أجراً، فهي التي تفضل أولادها على نفسها: تعيشُ لهم، وتجودُ بنفسها من أجلهم ليسعدوا، وترضى بالقليل ليفوزوا بالكثير، تغفو عن كبائرهم وصغائرهم مهما تعنتوا وضلوا، فلو استطاع حنان الأم أن يكون نهراً لأغرق العالم. وقد تغنى الشعراء بذكرها، ورويت عنها الأعاجيب في القصص والحياة. ففي عهد سليمان الحكيم اختلفت اثنتان على الأمومة، ولا ريب أن إحداهما ادعت هذه الأمومة زوراً، فلما احتكمتا إلى سليمان الحكيم، أمر باجتماع المرأتين والطفل، ثم أمر بأن يشطر الطفل شطرين (قسمين)، وتأخذ كل منهما نصيبها، فرضيت المدّعية الكاذبة، وأما الأم الصادقة فقد بكت، وصرخت: (إنهُ لها.. دعها تأخذه ولا تشطره!).
وأي كبير أو خطير في الحكم والسياسة أو في النبوغ والإبداع لمْ يشترك مع الصغير بهذا النداء الأزلي الخالد الذي وزّعه الخالق بالتساوي على الناس! يا أماه! وما أبلغ كلمة الإمام علي بن أبي طالب حين توفيت أمهُ:(الآن فقدت الصديق الصدوق).