في عيد العمال… العاملة السورية بين الواقع والتحديات

Normal
0

false
false
false

EN-US
X-NONE
AR-SA

MicrosoftInternetExplorer4

/* Style Definitions */
table.MsoNormalTable
{mso-style-name:”Table Normal”;
mso-tstyle-rowband-size:0;
mso-tstyle-colband-size:0;
mso-style-noshow:yes;
mso-style-priority:99;
mso-style-qformat:yes;
mso-style-parent:””;
mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt;
mso-para-margin:0cm;
mso-para-margin-bottom:.0001pt;
mso-pagination:widow-orphan;
font-size:11.0pt;
font-family:”Calibri”,”sans-serif”;
mso-ascii-font-family:Calibri;
mso-ascii-theme-font:minor-latin;
mso-fareast-font-family:”Times New Roman”;
mso-fareast-theme-font:minor-fareast;
mso-hansi-font-family:Calibri;
mso-hansi-theme-font:minor-latin;
mso-bidi-font-family:Arial;
mso-bidi-theme-font:minor-bidi;}

في عامين ونيّف من عمر الأزمة السورية لقيت النساء السوريات، على اختلاف شرائحهن وانتماءاتهن، مختلف أنواع المتاعب والمصاعب على جميع المستويات الاجتماعية منها والاقتصادية و.. إلخ، ذلك أن المرأة  في كل المجتمعات، وعلى مرّ العصور تبقى المتضرر الأكبر، ودافع الضرائب الأول في المتغيّرات التي تصيب المجتمع سياسية كانت أم اقتصادية أم سواها. فكيف إذا كانت هذه المتغيّرات على شكل أزمة مسلّحة طالت البشر والحجر والهواء في البلاد، ولم تُخلّف غير الكوارث الإنسانية التي جعلت من الحياة اليومية هموماً لا تُطاق، وأحمالاً تنوء بها الجبال..؟

وفي ظل تلك الكوارث، كانت المرأة السورية وما زالت الحامل الأول لكل أنواع المعاناة في الأسرة والمجتمع من حيث هي المستشعر الأساسي والأهم لجميع تلك الأزمات والرضوض التي نالت من استقرار الأسرة والدولة والمجتمع.

كل هذا استدعى ويستدعي من المرأة عموماً والعاملة بشكل خاص نضالات لا تنتهي، ابتداءً من تأمين لقمة العيش، وليس انتهاءً برفض التمييز ضدّها في المجتمع والقوانين والشرائع التي لا ترى فيها إلا كائناً (لا إنساناً) بمرتبة أدنى تابعاً الرجل، وأداة لمتعته ووعاءً لإنجاب نسله على مختلف العصور.

ففي القطاع الخاص تكون المرأة العاملة الضحية الأولى في تشريعات العمل، عندما يفكر أرباب العمل بتخفيض الأجور، إذ يكون لها النصيب الأكبر من هذا التخفيض. وإذا ما فكروا بتقليص اليد العاملة تحديداً في الظروف الراهنة، تكون المسرّحة أولاً وقبل الرجل، على اعتبار أنها امرأة لا تحمل أعباءً مثلما يحمل الرجال، رغم أنها قد تكون معيلة وحيدة لأسرة كبيرة، أو قد تكون أمّاً أرملة أو مطلقة عليها إعالة أبنائها مهما كان حجم التحديات.

فعندما تُستهدف في الأجر أو التسريح، يضيع في ظل هذا الوضع الكثير من حقوقها المادية والمعنوية التي استوجبها قانون العمل رقم 17 لعام 2010 (الذي حابى أرباب العمل على حساب العمال)، من مثل إجازة الأمومة، إذ تضمّن هذا القانون وجوب منح العاملة في القطاع الخاص إجازة أمومة مدفوعة الأجر مثلاً، غير أن الواقع العملي يخالف ذلك، إذ يُفصل الكثير من العاملات  قبل موعد الولادة من أجل التهرّب من منحهن إجازة أمومة مأجورة، وفي أفضل الأحوال ربما تكون إجازة بلا أجر يُسمح بعدها للعاملة بالعودة إلى العمل مجدداً ودون تعويضات، طبعاً كل هذا خارج مظلة الحماية التأمينية بسبب تهرّب أرباب العمل من تسجيل الكثير من عمّالهم وعاملاتهم في التأمينات الاجتماعية، ناهيك بظروف وطبيعة العمل القاسية التي تعيشها المرأة في هذا القطاع.

لذا تجد أولئك العاملات عرضةً لبطالة قاتلة تدفع الكثير منهن للبحث عن شتى أنواع العمل مهما كانت وضيعة- إن وُجدت طبعاً-  المهم أن تؤمّن المرأة لقمة عيشها هي وأسرتها، وربما تدفع الحاجة ببعضهن لممارسة أعمال مخالفة للقيم الأخلاقية والاجتماعية، وبالتالي يُصبحن عرضة لتشويه السمعة إن لم يكنّ عرضةً للقتل بداعي الشرف.

أما في القطاع العام- الحكومي، والذي هو في أسوأ حالاته أكثر ضماناً وحماية للمرأة، فنجد أن العاملة فيه مشتتة ما بين الواجب الوظيفي وضرورة التقيّد الشديد بساعات العمل الذي فرضته مؤخراً تعاميم رئاسة الوزراء دون الأخذ بالحسبان الوضع الأمني الذي تعيشه معظم المناطق، ولا وضع النقل وأزماته ما بين البيت والعمل في ظل إلغاء وسائط النقل الجماعي الحكومية لاسيما للريف بعد تعرّض بعضها للحرق أو الخطف، لتكون تلك العاملة في كثير من الأحيان عرضةً للعقوبات، إن لم يكن للتسريح، بسبب التأخير المتكرر أو التغيّب المتواصل عن العمل، ما يدفع بالكثيرات لطلب إجازة بلا أجر تزداد معها المعاناة الاقتصادية، لاسيما إذا ما علمنا أن العديد من أسر العاملات تعتاش على رواتبهن فقط.

طبعاً ناهيك بأن الوضع الاجتماعي- التربوي الذي تُعانيه المرأة العاملة (في القطاعين معاً) كأم ينتظرها أطفالها، إن لم يكن عند أحد الأقارب أو الجيران، فحكماً سيكونون في الشارع، فلنتخيّل هذا الوضع التربوي- النفسي المأسوي للطرفين (الأم والأولاد)، طبعاً كل هذا مترافقاً مع كون تلك العاملة في غالب الأحيان زوجة تنتظرها مهام تقليدية أزلية في البيت، لتغدو بعد كل هذه الرحلة الشّاقّة كائناً مشتتاً خائر القوى، تتملكه المتاعب والإرهاق الذي يُفضي في كثير من الأحيان إلى جملة من الأمراض الجسدية والنفسية، ليس أقلّها الاكتئاب والشعور بالخيبة وربما النفور حتى من أمومتها وأنوثتها.

يُضاف إلى مجمل هذا الوضع نزوح بعض أولئك العاملات من مناطق سكناهن، أو تهدّم منازلهن التي استنزفت جهد السنين، لينتهي بهن المطاف إلى الاستئجار الذي حلّقت تكاليفه، فبات من ضرب الخيال، أن تجد بيتاً لا يستنزف الراتب بمجمله إن لم يكن أكثر، في ظل فقدان الكثيرات منهن لأبنائهن أو أزواجهن أو إخوتهن إن كان موتاً أو سواه، ما يُضاعف من معاناتهن مادياً ومعنوياً، ويزيد من أعبائهن العملية والنفسية والتي تُرهق كاهلهن وتُقوّض كل إمكاناتهن التي يفترض استغلالها في قضايا أخرى أكثر جدوى وفاعلية على المستوى الشخصي أو العام. 

لذا ترى تلك العاملة البائسة كنحلة دؤوب في ظلّ واقع اقتصادي يفرض حضوره بقوة غاشمة لا ترحم، قوة حيتان السوق وتجّار الأزمات الذين كدّسوا ومازالوا أموالهم من عرق وجوع معظم شرائح المجتمع، وتلاشي الرقابة الحكومية التي يفترض أن تكون فاعلة في هذا الوقت العصيب أكثر من أيّ وقت آخر، ما جعل تأمين الاحتياجات الضرورية خاضعاً للتكثيف الشديد، وإلغاء بعض الضروري، مع شدّ أحزمة التقشّف التي كادت أن تنقطع لتنقطع معها كل سبلٍ ممكنة للعيش بأدنى المستويات والمتطلبات، دون مراعاة بطونٍ كادت أن تكون خاوية.. وأفواه باتت مفتوحة للهواء فقط. والمرأة بشكل عام تقف حائرة جاهدة كي توازن ما بين المتاح من بضع ليرات فقدت قيمتها في ظل انخفاض قيمة العملة الوطنية، وما بين الاحتياجات الواجب تلبيتها أو الاستغناء عنها، ناهيك بضرورة تأمين العلاج والأدوية الضرورية إما للأبوين أو للأولاد والتي بات وجودها أو تأمينها ضرباً من المُحال ليس فقط بسبب العقوبات المفروضة من الغرب الاستعماري، وإنما أيضاً بفعل الواقع الذي أوجدته الأزمة السياسية المسلحة التي انهار بفعلها القطاع الصناعي، ومن ضمنه معامل الأدوية، كما توجد صعوبة في عملية النقل والتسويق بسبب الوضع الأمني المتردي على الطرقات وبين المدن والأسواق، وأيضاً بفعل ارتفاع تكاليف النقل بسبب ندرة المحروقات أو غلائها.

فهل يمكننا بعد كل ما ذكرنا أن نقول لعاملاتنا:كل عام وأنتنَّ بخير في يوم العمال العالمي؟

ألا يستدعي هذا اليوم بعض الأمل بواقع أفضل تستحقه نساؤنا العاملات خاصةً وطبقتنا العاملة المسحوقة بشكل عام..؟

 

 

 

 

العدد 1140 - 22/01/2025