هكذا يتقشف المواطن ويناور بدخله الشهري!

أثير مؤخراً مصطلح (التقشف) على العديد من المواقع الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن ذكر وزير المالية في أحد تصريحاته أن على المواطن أن يتقشف، وعاد ونفى هذا التصريح مرة أخرى، ولكن في ظل إثارة هذا الأمر رأينا أنه من الضروري أن نلقي الضوء على أوجه التقشف الذي يقوم به المواطن، وخاصة ذوي الدخل المحدود.

وهنا سنبين أن المواطن السوري يعتبر أكبر مناور اقتصادي على وجه الأرض، فهو براتب وسطي يصل إلى 25 ألف ليرة شهرياً يقضي حوائجه كلها، ولكن كيف؟ لا أحد يعلم ولا حتى علماء الاقتصاد أنفسهم!

المواطن السوري أكبر مناور اقتصادي

السواد الأعظم من المواطنين أصبحوا يرزحون تحت وطأة التضخم وارتفاع الأسعار الجنوني، سواء في المواد الغذائية أو إيجارات المنازل، وضعف القدرة الشرائية وارتفاع نسب البطالة، وفقدان مداخل الرزق، فإن ما قيل بأن على المواطن التقشف، فلم يكن بشيء جديد، ذلك أن المواطن دون أي توجيه حكومي وضع خطته التقشفية وأخذ بتطبيقها منذ نحو ثلاث سنوات وأكثر، وإلا كيف لموظف، سواء في القطاع العام أو الخاص أن يكفيه راتب لا يتجاوز 25 الف ليرة شهرياً، وهو يحتاج في كل يوم إلى ألفي ليرة، أي يحتاج وسطياً في الشهر كحد أدنى نحو 40 ألف ليرة لكي يلبي حاجة الطعام والفواتير من كهرباء وماء فقط، هذا إن كان لديه أسرة مكونة من أربعة أفراد؟! وبالطبع الرقم يكبر كلما زاد عدد الأفراد، وهنا لم نأت على ذكر نفقات المواصلات والاتصالات والألبسة والتعليم والأطباء والغاز والمازوت وووو.. القائمة تطول كثيراً، وهنا يحتاج إلى دخل شهري وفق خبراء اقتصاديين لا يقل عن 80 ألف ليرة، أي نحو أربعة أضعاف راتبه الحالي، وهو رغم كل ذلك يدبر نفسه، ولكن كيف؟ الجواب على كيف صعب وغير مفهوم!

التقشف والحصول على الدفء

التقشف مطلوب في وقت الأزمات، ولكن يجب أن يكون عادلاً، بحيث يحقق أدنى متطلبات المعيشة. فلو تحدثنا عن الحاجة إلى الدفء لأنها الشغل الشاغل للمواطن حالياً، فالمواطن لا يجد شيئاً لكي يتدفأ عليه، فالمازوت أصبح للأغنياء فقط وفي حال توفره فهو لأصحاب الواسطات، أما الغاز فأيضاً أصبح صعب المنال وأصبح المواطن يدلل أسطوانة الغاز أكثر من أي شيء في حياته، واتجه المواطن إلى الحطب وموائد الخشب، فحالياً في الأرياف لا تشم إلا روائح الحطب المشتعل، وقصاصات الألبسة في مدافئ الحطب، ولكي لا يشتري المواطن مدافئ حطب اضطر لتحويل مدفأة المازوت إلى مدفأة حطب باختراع صغير فقط، وأخذ يستغل الشمس للتدفئة، فلدى سطوع الشمس يتوجه إليها للحصول إلى الدفء، وفي حال لم يحصل على الدفء لا من المازوت أو الغاز أو الحطب فقد حصل عليه من خلال (الشراشف والأغطية الصوفية الشتوية) وممارسة التمارين الرياضية.

تقشف المواطن في الطعام

أما الطعام، فهو أخذ بالبحث عن الأطعمة الأقل كلفة عليه والتي تشبعه وأفراد أسرته، مثل الفلافل والحمص والفول، وأصبح يضع جدولاً شهرياً لكي يأكل الفروج والألبان والأجبان، أما اللحوم الحمراء فهو يقتصر على شراء أوقية فقط ويقسمها على أيام الشهر، ومن المعروف في ظل الارتفاع اللا منطقي لأسعار المواد الغذائية فقد أصبحت أقل وجبة لأسرته تكلفه ألف ليرة، لذا فهو أصبح يطهو طعاماً عن ثلاثة أيام وربما أربعة لكي يوفر من دخله ويكفيه لنهاية الشهر المنتظرة لديه، ونسي تناول الفواكه والحلويات، ولم يعد يدخل إلى بيته المكسرات، وأصبحت سفرة طعامه تقتصر على الضروريات مثل الزيتون والبيض واللبنة والشاي.

مقايضة الألبسة

أما اللباس، فقد حذف هذا البند من مشترياته واقتصر على البالات والألبسة القديمة التي كانت لديه منذ زمن، فعاد إلى الترقيع والتخييط وأخذ يحافظ على لباسه حتى لو كان موديله منذ العصور الوسطى، واتجه نحو الاستعارة من أقربائه ومقايضة الألبسة فيما بينهم، فتارة يأخذ طقم ولادي مستعمل من أخيه ويقايضه على لباس مدرسي وهكذا.

المواطن طبيب نفسه

اما بالنسبة للأطباء فحدث ولا حرج، فالمواطن أصبح طبيب نفسه وأصبحت لديه خبرة في شتى أنواع الأمراض الشائعة، فهو لا يحتاج إلى الذهاب للطبيب، بل يكتفي بشراء دواء التهاب لجميع حالات الالتهاب، وفي حال اضطر ولم يعرف تشخيص مرضه، فهو يذهب إلى الصيدلي ويشرح له أعراض المرض لكي يوفر أجرة الطبيب.

المشي رياضة التوفير

أما بالنسبة للمواصلات فقد اعتاد على ممارسة رياضة المشي، لكي يوفر بضع عشرات الليرات عليه يومياً قد تصبح آلافاً نهاية الشهر، واتجه نحو شراء الدراجات الهوائية التي أصبح سعر الواحدة لا يقل عن 15 ألف ليرة.

التقشف في حقيقة الأمر يتعلم من المواطن السوري، فهو المدبر الاقتصادي الأول، فأصحاب الدخول المحدودة وهم كثر حرّموا على أنفسهم دخول المطاعم واقتصروا على الوجبات ذات التكلفة الخفيفة والمشبعة والتي تعتمد على الخبز في أغلبها، وأرز المعونة الذي يُباع في الأسواق لأنه الأقل سعراً من الأرز المغلف والحر ذي السعر المرتفع جداً مقارنة مع دخله.

هل هناك تقشف بعد هذا؟

وهنا نسأل هل هناك تقشف بعد هذا التقشف؟.. يسأل متابعون، فحالياً المواطن يقضي نهاره وليله على طوابير المازوت والغاز والماء، ويقضي ساعاته منتظراً الكهرباء، ويلصق الصابونة بالأخرى ويشتري الخضار بالأوقية والفواكه بالحبة واللحوم بالفرمة.

بالطبع الحديث السابق ينطبق على أسرة لديها دخل شهري، فكيف الحال بمن هو عاطل عن العمل؟ وكيف هو الحال بمن فقد مصدر رزقه وماله وكل ما جناه في حياته؟.. يسأل مراقبون.

ربما في حقيقة الأمر هناك بعض الممارسات الخاطئة لدى المواطنين مثل عدم الترشيد في الكهرباء والماء، ولكن هذا السلوك ليس قاصراً على المواطن، بل أيضاً المؤسسات العامة لديها هدر بالمياه والكهرباء يصل إلى أرقام ضخمة جداً.

في نهاية الحديث فإن المواطن لا يحتاج إلى توجيه حكومي للتقشف كما ذكرنا، فقد اتبعه منذ زمن لكي يستطيع أن يلبي احتياجاته بالقدر الأدنى، ولكن يبقى المواطن ينتظر أن ينتهي هذا التقشف من حياته بتحرك حكومي يعالج وضعه الاقتصادي وينعشه ولو قليلاً.

العدد 1140 - 22/01/2025