إلى متى.. الحال المتردي لمزارعي الحمضيات في الساحل؟!..
بساتين الحمضيات المنتشرة في العديد من المناطق الزراعية في طرطوس وريفها تُشعرك بالرضى عن واقع الفلاح، لكن ما إن تتحدث مع أحد المزارعين والمهتمين بهذه الشجرة حتى تنتابك الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام عن معاناة هؤلاء فالأسباب عديدة وقد أجمع من التقينا بهم على أن الحكومة تتحمّل قسطاً وافراً من المسؤولية عن تردي أوضاعهم وضياع إنتاج بساتينهم لأسباب قالوا أنهم تحدثوا عنها مراراً وتكراراً وإلى أكثر من منبر إعلامي ومسؤول ولكن دون أية نتيجة تذكر! ففي بعض قرى صافيتا ومدينة الدريكيش وسهل طرطوس التقينا بعدد من مزارعي الحمضيات حيث تحدثوا إلينا بكثير من المرارة عن تهميش مطالبهم وعدم سماع صرخاتهم التي أطلقوها منذ أعوام عدّة، والتي تتحدث عن جملة من المشاكل المتكررة التي تعترض عمليات تسويق مادة الحمضيات.
جريدة (النور) ومن خلال جولتها على تجار الجملة والمفرّق، واللقاء مع المزارعين، استطاعت أن تسلّط الضوء على جملة من المشاكل والهموم التي يأمل المزارع أن تجد آذاناَ صاغية لها:
تذبذب الأسعار
في أكثر من محل للمفرّق وجدنا تذبذباً في بيع الأصناف المتعددة من الحمضيات تراوح الربح بين 25 – 35 ليرة، في حين أكّد معظم من التقينا بهم في محلات وصالات بيع الجملة بأنهم يبيعون لتجار المفرّق بهامش ربح يتراوح بين 5- 10 ليرات. طبعاً لكل مبرراته، فأجور النقل والزيادة على فاتورة الكهرباء والماء والهاتف زادت من أسعار الحمضيات. هناك بعض التجار يضعون الإنتاج في محلات بيع الجملة بالأمانة، وهنا يكون المزارع تحت رحمة صاحب محل الجملة ومن يستجرون المادة منه من تجار المفرّق:
أبو وائل صاحب محل جملة يرى أن الأسعار غير مناسبة لأنه لا يوجد تصريف بضاعة بسبب قلّة السيولة مع المواطن، ويضيف: أن مؤسسة الخزن والتسويق كان بإمكانها أن تخفف العبء عن المزارع ويتمنى لو أن الحكومة حققت لمزارعي الحمضيات في الساحل حلمهم القديم بإقامة معمل للعصائر، لأن شجرة الحمضيات هي مصدر رزق لكثير من العائلات، بدل السعي إلى إقامة مولات وصالات عرض لأفخم السيارات!
تاجر جملة آخر تحدث عن أن تكلفة الكيلو غرام الواحد تصل إلى 10 ليرات فهناك ضريبة المحل وضريبة البلدية والكهرباء والماء وأجرة العمال وأجور النقل وغيرها، وتساءل عن السبب الذي يمنع المعنيين من وضع تسعيرة تنصف المزارع وتناسب التاجر.
صاحب تعاونية الدريكيش لبيع الخضار والفواكه السيد ثائر عثمان تحدث عن العرض والطلب، فالحركة ضعيفة لعدة أسباب ونحن – كما يؤكد – لا يمكن أن نضع أي ربح على 60 % من بضاعتنا، بل نحاول أن نخدم الزبون للحفاظ على سمعتنا ووجودنا بالسوق. القوة الشرائية الضعيفة خلال هذا الشهر والأشهر الثلاثة القادمة نتحمل فيها الزبون، وبالمقابل يتحملنا الزبون بقية الأشهر. بالنسبة لأسعار الحمضيات يتراوح ربحنا بين 5- 10 ليرات لأن هناك الكثير من الهدر في عملنا، فهناك الكيس والحبة المضروبة والتبخر الذي يؤدي إلى نقص في الوزن، فمثلاً مئة كيلو غرام من الليمون أو البندورة لا يمكن أن نبيعها 100 كيلوغرم، بل ستصبح نحو 97 كيلوغرام. نتمنى أن يكون في سوق الهال مكتب للتسعير بما يرضي الجميع.
خدمات لابدّ منها
لو نظرنا إلى ما كانت تقوم به مديرية الزراعة منذ زمن قريب فيما يتعلق بمادة التفاح مثلاً لرأينا الفرق.. فالدولة كانت تقوم بتوزيع العبوات البلاستيكية للفلاح وتقوم أيضاً بتأمين شاحنات كبيرة لتسويق هذه المادة فضلاً عن وضعها التسعيرة التي تتناسب وجهد الفلاح وتتناسب أيضاً مع ما ينفقه على الشجرة والأرض سواء لجهة السماد أو المبيد أو عمليات الفلاحة والتعشيب وجني الإنتاج!.فما هو المانع – يقول السيد أبو راجي – من قيام مديرية الزراعة بتأمين العبوات وتوزيعها على مزارعي الحمضيات واستقدام آليات من المديرية لاستلام الإنتاج وتسويقه وإعطاء المزارع الثمن الذي يتناسب وما ينفقه على الطن الواحد من هذه المادة مثلاً؟!. أمّا السيد شادي حسن فقد تحدث عن أمر آخر في غاية الأهمية، وهو ضرورة تعبيد الطرق الزراعية التي تصل بساتين الليمون بالطريق الرئيسي العام لأن ذلك سيوفر على المزارع الكثير من الجهد والتعب والوقت، فمن غير المعقول أن أقوم أنا- يتابع شادي- مثلاً بنقل أكياس السماد والصناديق مسافة بحدود 200- 300 متر على ظهري لأنه لا توجد آلية تتمكن من الوصول إلى بستاني أو إلى بساتين جيراني!
السيد أبو هلال لديه بستان يحتوي أكثر من 600 شجرة حمضيات متنوعة تحدث عن أضرار مكب القمامة على الطريق الواصل بين الدريكيش وجنينة رسلان قرب مقصف البستان العائلي، حيث توجد أكثر من أربعة بساتين للحمضيات فيها نحو خمسة آلاف شجرة مثمرة، وهذا المكب هو بمثابة بؤرة مناسبة لتكاثر الذباب والحشرات الضارة الأخرى، وأستغرب صمت البلدية والمحافظة عن وجود المكب في هذا المكان، إضافة الى عدم رضاه عن تلكؤ الوحدة الإرشادية بزيارة الحقول للاطلاع على الواقع الحقيقي، مؤكداً ان جولات الوحدات الإرشادية هي جولات خلبيّة وليست حقيقية!
التسويق
بالنسبة للواقع الزراعي فإنه يصحّ أن نقول للحكومة (أسمع كلامك يعجبني، أشوف أعمالك أتعجب)، فالصعوبات التي تعترضنا- يضيف السيد أبو ياسر، الذي يملك بستاناً تقدر أشجار الحمضيات فيه بنحو 480 شجرة متنوعة – ليست جديدة بل هي قديمة وتتكرر معنا كل عام، وأنا سأضرب لك مثلاً: إذا كان الطن الواحد من الليمون يكلفني أكثر من 15 ألف ليرة ثمناً للسماد وللمبيدات وأجور العمال والنقل وثمن العبوات. الأسعار تتذبذب بين يوم وآخر، فلماذا لا تصدر الحكومة تسعيرة للحمضيات تتناسب مع ما ينفقه الفلاح وتؤمن له تلك التسعيرة دخلاً عادلاً؟! ولماذا لا تقدّم الدولة مثلاً العبوات بدلاً من تحكّم تجّار السوق بها وبأسعارها، لأنه من غير المعقول أن يصل سعر الفلينة فارغة هذا الموسم إلى 100 ليرة تقريباً أو أكثر. في سوق الهال يتذرعون بعدم وجود شحن أو تسويق، لكنني فوجئت بأن ما بعتُه هذا العام بمبلغ 20 ليرة للكيلو الواحد يباع في السوق بحدود 50 ليرة تقريباً! أين التموين؟ وأين مراقبة الأسواق؟ وأين حماية المستهلك؟!
السموم والرشوش
السيد آصف عباس من صافيتا تحدث عن ذلك قائلاً: أنا شخصياً لست مع المبيدات السامة لأن قسم من هذه المبيدات لابدّ وأن يتسرب إلى داخل الثمرة، وبالتالي سيؤثر سلباً مع مرور السنوات على المستهلك، وقد جرّبتُ عدم رش الأشجار بالمبيدات وكانت النتيجة اختفاء بعض الحالات التي كنت ألمسها بين عام وآخر. لقد اعتمدت في المكافحة على المضادات الحيوية التي تنتجها الدولة في مختبرات وزارة الزراعة، وأستغرب – يضيف السيد آصف – عدم اعتماد الوزارة على هذه الطريقة في المكافحة بشكل أساسي، خصوصاً تلك التي تهاجم ذبابة الفاكهة التي تعتبر من أشد الحشرات فتكاً بالحمضيات وبقية الفواكه.
الوحدات الإرشادية
الوحدات الإرشادية المنتشرة بكثرة في النواحي والقرى لا تقوم بعملها بشكل جيد، وقد وضع البعض اللوم على العاملين في تلك الوحدات من مهندسين وفنيين بسبب عدم قيامهم بجولات تفقدية وحملات توعية زراعية، والاكتفاء بجولات وهمية، خصوصاً في فترة البيوض وانتشار الحشرات الضارة. ودعا بعض الفلاحين إلى تصحيح الثقة بين المزارع وبين العاملين في تلك الوحدات، فالمزارع يعتبر نفسه أكثر خبرة من خلال عمله في الأرض، في حين يرى المهندس الزراعي أو الفني بأن الفلاح لا يطبق تعليماته، ولا يقوم بالخطوات التي يطلبها منه. ومن ناحية أخرى طالب البعض بتعزيز العلاقة بين جهاز الإرشاد والبحوث الزراعية وتلك الوحدات لما فيه مصلحة الفلاح وزيادة الإنتاج.
الصيدليات الزراعية
تكاد الصيدليات الزراعية المنتشرة في المنطقة تضاهي الصيدليات العامة، بل ويزيد عددها عنها، وكان لدى الكثير ممن التقينا بهم عدم رضا عن هذا الأمر، وتساءلوا عن كيفية منح رخص الصيدليات الزراعية، وتحدث البعض عن قيام مزارعين عاديين بترخيص صيدليات زراعية على أسماء مهندسين زراعيين، لكن (الفلاحين) هم من يعملون بها. الصيدليات الزراعية كالصيدليات العامة – يضيف أحد الفلاحين- فهل يحق لي أنا الذي لا أفهم بالفرق بين وجع البطن وعلامات الجلطة أن أمنح الدواء للمرضى؟!.. أحياناً نقوم بالرش لنفاجأ بظهور أمراض جديدة وذبول للأوراق في حالات أخرى!!. إننا نطالب الدولة بإغلاق الصيدليات التي رُخصت، والتي لا يعمل فيها مهندسون زراعيون متخصصون.
التسويق
أجمع العديد ممن التقينا بهم على أن الوسيط بين المنتِج والمستهلك هو الذي يأكل البيضة والتقشيرة – كما يقولون – هذا الوسيط هو الذي يتحكم بالسعر الذي يعطيه للمزارع وبالسعر الذي يبيعه للمستهلك، ولا توجد إمكانية لحل هذه المعضلة طالما أن العرض والطلب هو الذي يتحكم بالأسعار. وطالب البعض بتعزيز دور التموين من خلال تحديد المواصفات والشروط للمنتَج وللسعر أيضاً. وبما أن الدولة (يقول أحدهم) تقوم باستلام بعض المواد القابلة للتخزين، كالتفاح مثلاً، فلماذا لا تبادر إلى شراء كميات كبيرة من الحمضيات من المزارعين بأسعار تتناسب مع ما يبذله الفلاح طالما أننا سمعنا قبيل أيام عن عقود تصدير، مع تمنياتنا ألا تبقى تلك العقود حبراً على ورق كغيرها من الوعود!
أخبار مشجعة
حملنا جملة ما سمعناه وقصدنا المهندس حسان حسن، عضو المكتب التنفيذي في المحافظة لشؤون الزراعة، فأكد لنا بأن كميات الحمضيات المقدرة هذا العام بحدود 229 ألف طن، وأن التوجيه من قبل السيد محافظ طرطوس لمؤسسة الخزن والتسويق باستجرار نحو30 ألف طن، وأضاف بأنه شُكلت لجنة لوضع الأسعار بشكل أسبوعي برئاسة عضو المكتب التنفيذي، وممثل عن الزراعة واتحاد الفلاحين والخزن والتسويق. الغاية من عمل هذه اللجنة هو الحفاظ على سعر مستقر يتناسب مع ما يبذله المزارع، وفي حال انخفض السعر عن سعر الخزن والتسويق فيكون سعر الخزن والتسويق هو السائد. كما أكّد لنا المهندس حسان حسن بأن كازية الفلاحين ستخصّص لخدمة ما يحتاجه الفلاح من مازوت، وقد تم بالفعل تشكيل لجان على مستوى المناطق لدراسة حاجة المزارعين الفعلية ليتم تخديمهم بالوقود من كازية الفلاحين بإشراف لجنة كما ذكرنا سابقاً.
أخيراً: الجميع يدرك ما تتعرض له البلاد، لكن على الحكومة أن تنظر بعين المساعدة والرحمة إلى الفلاح، وأن تضع الأسعار المستقرّة التي تتلاءم مع ما ينفقه الفلاح والتي تكفل له الحياة الكريمة التي تريحه من المنغصات اليومية أو الموسمية، فالفلاح الذي يقضي أوقاته بين الأشجار وبين الصيدليات الزراعية وفي الأسواق لا يستطيع أن يتلقى الصدمات من كل حدب وصوب، وهو الذي يعتمد على ما تنتجه أرضه بشكل أساسي كي يستمر في العمل، وبالتالي كي تبقى الأسواق عامرة بكل ما يحتاجه الإنسان!!