الأرض تصارع طغيان مياه البحار

(ارفع صوتك كي لا ترتفع مياه البحر) Raise Your Voice Not Sea Level  بتلك الكلمات، جرت صياغة شعار (اليوم العالمي للبيئة – 2014)، كي يعبر عن تركيز نشاطات البيئة في السنة الجارية على معالجة مشكلة الجُزُر الصغيرة المهدّدة بالغرق بسبب أزمة المناخ. ومع تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري المرتبط بالتلوث، يتزايد ذوبان الكتل الجليدية الكبرى، خصوصاً عند القطبين المتجمّدين للأرض، ما يرفع مستوى المياه في المسطحات المائية الكبرى عالميّاً. وتهدّد هذه المياه بأن تطغى على الأراضي اليابسة في الجُزُر، والأراضي المنخفضة عن مستوى البحر كالدول الإسكندنافيّة، والأراضي المنبسطة غير المرتفعة كثيراً عن البحر كدلتا نهر النيل.

وتقود الأمم المتحدة عبر برنامجها للبيئة، نشاطات عالميّة متنوّعة تهدف إلى حضّ جمهور واسع على التحرّك لمواجهة مشاكل البيئة.

وتؤكّد التقارير العلميّة المتواترة أن الكوكب في خطر. ويشدّد التقرير الخامس لـ (لجنة الأمم المتحدة لتغيّرات المناخ) على أن ارتفاع مستوى سطح البحر سوف يتراوح بين 59 و98 سنتيمتراً، عند نهاية القرن 21. وتؤكد بحوث أكثر تشاؤماً أن ذلك الارتفاع ربما لامس المترين!

بين (باربادوس) وشواطئ الإسكندرية

شدّد رئيس وزراء (باربادوس) فريندال ستيوارت، في مناسبة استضافة بلاده الاحتفال بـ(اليوم العالمي للبيئة) على وجوب رفع الصوت للمناداة بمزيد من الالتزام السياسي والحلول العلمية والعملية، في حلّ مشاكل البيئة. وعبّر عن قناعته بأن سكان الكوكب الأزرق يتشاركون ثرواته أيضاً.

وأشار أيضاً إلى قرب انعقاد (المؤتمر الدولي الثالث لدول الجُزُر الصغيرة النامية)، بهدف تعميق الفهم لواقع تلك الجُزُر.

وتبلغ تكلفة ارتفاع مستوى سطح البحر في جُزُر الكاريبي قرابة مئة وسبعة وثمانين مليار دولار حتى عام 2080.

ومن المبادرات الدوليّة لحماية الحياة في الجُزُر الصغيرة، يظهر (مشروع حماية جُزُر فوينِكس) في المحيط الهادئ، وهي جُزُر تضم المشروع الأكبر عالميّاً لحماية بيئة السواحل، إذ يغطي مساحة تقدّر بقرابة 408.25 كيلومتر مربّع.

وتعتبر جُزُر (فوينِكس) من مناطق التراث الطبيعي التي اهتمت بها الـ(يونيسكو) منذ 2010.

وكذلك يتبنى (برنامج الأمم المتحدة للبيئة) مشروعاً في جزيرة (بليز) في البحر الكاريبي، يهدف لمواجهة تأثير تغيّر المناخ على الإنتاج الزراعي الذي يشكل 65 في المئة من القدرة التصديرية للجزيرة. وجرى وضع برنامج متكامل لمواجهة قطع الغابات، إضافة إلى الحدّ من الممارسات الزراعيّة غير المستدامة.

ويتبنى برنامج الأمم المتحدة مشروعاً مهمّاً آخر في جزيرة (فيجي) لتطوير نُظُم تصريف المياة في مواجهة الفيضانات العارمة في الجزيرة.

ويؤثر ارتفاع مستوى سطح البحر تأثيراً كبيراً في مناطق ساحليّة كثيرة في الدول العربيّة.

إذ يذكر (تقرير توقعات البيئة للمنطقة العربيّة) الصادر عن (برنامج الأمم المتحدة للبئية) و(جامعة الدول العربيّة)، أن 3.2 في المئة من سكان المنطقة العربيّة سوف يتأثرون عند ارتفاع مستوى سطح البحر متراً.

وكذلك تشير الأرقام إلى أن قرابة 18 في المئة من قاطني المناطق الساحليّة في شمال إفريقيا يعيشون في مناطق منخفضة عن مستوى سطح البحر، خصوصاً مُدُن الإسكندرية والجزائر وتونس والدار البيضاء. ففي مصر يعيش قرابة عشرة ملايين شخص في مناطق ساحليّة بين الإسكندرية وبورسعيد. وفي حال ارتفاع مستوى سطح البحر، يتشرّد سكان تلك المدن مع خسائر تتجاوز عشرات مليارات الدولارات.

مشاركة الجمهور

في جيبوتي، يعيش نحو 50 في المئة من السكان عند مستوى سطح البحر. ويقطن قرابة 75 في المئة من سكان دولة البحرين، مناطق ساحلية منخفضة.

في سياق الحدث البيئي ذاته، انطلقت رسائل متنوّعة من برنامج الأمم المتحدة للبيئة تخاطب سكان العالم لإعادة النظر في السلوكات التي تزيد حدّة التغيّر في المناخ وارتفاع درجة الحرارة، كما تدعوهم إلى المزيد من الالتزام السياسي. ويدعو شعار (اليوم العالمي للبيئة – 2014) إلى المشاركة الإيجابية الواسعة من قِبَل الجمهور. ويدعو إلى تبني سلوكات من نوع التخلي عن مصابيح الإنارة الكهربائية التقليدية لمصلحة بدائلها الأقل استهلاكاً للطاقة.

إذاً، لماذا لا نركب الدرّاجات الهوائية كي نخفّض استهلاك الوقود الأحفوري؟ لماذا إهدار الطعام؟ لماذا الإسراف في استهلاك المياه؟ ألا يجدر التوقّف عن رمي ما يزيد على ثلث الطعام نضعه على المائدة؟

لماذا لا نستخدم أكياس الورق أو القماش، بدلاً من استهلاك أطنان من أكياس البلاسيتك التي ما إن تلقى في البر أو البحر، حتى تصبح مشكلة بيئية لا تحلّ في عقود مديدة؟ لماذا لا نزرع الأشجار؟ لماذا نصر على الإبحار بسفينــــة كوكب الأرض إلى الهلاك؟

العدد 1140 - 22/01/2025