تعزيز مفهوم المواطنة والانتماء لدى الناشئة
ما هو مفهوم الانتماء وماهي المواطنة… يُعد مفهوم الانتماء الوطني من المفاهيم العالمية، والمهمة في عالمنا المعاصر، والّذي أصبح من المفاهيم المتكررة في وسائل إعلامنا ومحاضراتنا وكذلك في ندواتنا، بل أصبح مفهوماً رئيسياً في حياتنا العامة، كما تناول المهتمون بأدبيات التّربية، موضوع الانتماء الوطني في البحوث التّربوية والكتب المتخصّصة، وأيضاً من خلال إيراد تعريفات لمفهوم الانتماء ومدلولاته.
تعني كلمة الانتماء لُغةً: الانتساب، فانتماء الولد إلى أبيه، انتسابه إليه واعتزازه به. والانتماء مأخوذٌ من النّمو والزّيادة والكثرة والارتفاع، فكما الشَّجر ينمو كذلك الإنسان.
* لقد ارتبط الإنسان منذ وجوده بشيئين هما: المكان والزّمان. فالإنسان مرتبط بهما من حيث وجود ذاته، وإذا كان المكان يدلُّ على وجود الإنسان في جزء معين منه، فإنَّ الزَّمن هو الَّذي يُحدد مدى هذا الوجود وكميته. ولذلك فالمكان هو الوطن والانتماء المكاني هو الانتماء الوطني.
* كما أنَّ مفهوم الانتماء الوطني: وراثي: يُولدُ مع الفرد من خلال ارتباطه بوالديه وبالأرض الَّتي وُلد فيها.. ومُكتسب: ينمو من خلال مؤسسات المجتمع المتمثلة بالمدرسة والأسرة والإعلام والأقران.
* نُلاحظ أنَّ المهتمين بالكتابة في مضامين الانتماء الوطني، يحدّدونه بأنّه شحنة عقلية وجدانية كامنة بداخل الفرد، تظهر في المواقف ذات العلاقة بالوضع على مستويات ومجالات مختلفة يمكن تحديدها بمجموعة من الممارسات السّلوكية الصّادرة عن الفرد، بحيث تكون تلك الممارسات مُعبّرة عن موقف الفرد ورؤيته تجاه ما يحدث من مواقف في مجتمعه.
أمَّا المواطنة فهي ممارسة وسلوك، ضمن مجموعة من القيم والاتجاهات الَّتي تجعل الفرد يتحمّل المسؤولية بقدر قيمة العمل لخدمة المجتمع، إذاً هي حُبّ المواطن لوطنه، والشّعور بمشكلاته، والمشاركة الإيجابية للتعاون مع الغير على حلّها، والتّفاني في خدمته، والالتزام بمبادئه وقيمه وقوانينه، والمشاركة الفعَّالة في الأنشطة والأعمال والبرامج الَّتي تستهدف رُقيّ الوطن والمحافظة على مكتسباته.
ومن واجب التّربويين، العمل على غرس وتعزيز روح المواطنة لدى الفتية والفتيات في المدرسة وذلك من خلال تزويدهم بالمعارف النّظرية والعملية عن جميع مكونات وطنهم الإيجابية، مثل الأرض والشّعب والسّلطة والسّياسة وتاريخ وطنهم السّياسيّ.
ويمكن في المدرسة العمل على بناء نظام قيم صالحة تقوم على بلورة المواطنة الحقة من أجل تحقيق الأهداف الاستراتيجية التّربوية، ومن أجل ترسيخ قيم التّعاون والمشاركة.
إنّ التربية للمواطنة لا تقتصر في تحقيقها على مقرَّر من المقررات الدّراسيّة، بل يجب أن تكون تنمية المواطنة وتعزيزها حاضرة في جميع المواد، وفي كلّ الأوقات، وفي كلّ نشاط داخل المدرسة أو خارج أوقات الدّوام.
* هل البحث عن الهوية الآن في مقابل كُلّ التّخوفات من العولمة هو نقيض القول والفعل مع المتغيرات… أم هو دعوة للانغلاق في مقابل العولمة، أم هو دعوة للانفتاح؟
الإجابة هي بالنّفي، فإلى جانب الثّقافة، يُعدّ (الانتماء) و(الوطنية) من جوهر الهوية، فالوطنية ثقة بالأنا الجمعية، لمجموعة تعيش على أرض مشتركة، يشعرون بالولاء والانتماء للأرض، والالتزام بمجموعة المفاهيم الرَّابطة. كما أنَّ الوطنية ليست التّعصب ضد الآخر، ولا الغرور بالذَّات، ولا الانغلاق على الذَّات، ولا هي دعاوى باطلة للاعتداء على الآخر. الوطنية هي محور الارتكاز لاستيعاب الماضي والانطلاق نحو المستقبل.
وهي بالتّأكيد ليست ضد العولمة، بل تعني الانفتاح على العالم بلا غرور ودون نسيان لموروثنا التّراثي الثقافي الّذي نتمتع به.
إنَّ بث روح الجماعة والانتماء، يبدأ بالأسرة أو بالأحرى بالأمّ. فدور الأمّ تعلّيم صغيرها وزرع بذرة الانفتاح على الآخر، والتّعرف على التّراث الشّعبي والتّعامل معه بما يُثري مفهوم الهوية.
ومنه تبرز أهمية الوطنية والمواطنة، من أجل الحفاظ على الهوية الخاصة بكلّ مجتمع في ظلّ ما يتهدده من أخطار العولمة، وهذا لا يعني أنَّ الحلّ يكمن في الانكفاء على الذات، والابتعاد عن العالم الّذي أصبح قرية صغيرة، إنّما إكساب المناعة لكلّ فرد بتربيته تربية وطنية تركّز على تزويده بالمعارف، والقيم، والمبادئ والمهارات الّتي يستطيع بها التّفاعل مع العالم المعاصر دون أن يؤثر ذلك على شخصيته الوطنية.
ومرحلة الطّفولة من أهم المراحل لغرس المفاهيم والمعارف والقيم، وخاصّة المتعلقة بالوطن من وطنية ومواطنة، وذلك لأنّ ترسيخها في مرحلة الطّفولة وتنشئة الطّفل عليها يجعلها عنصراً مكوّناً في بناءِ شخصيته.
ماهو الوطن؟
الوطن هو شعور بالمسؤولية ورغبة في النّجاح وعطاء بلا انتظار. الوطن مضامين كُبرى تُغذيها معانٍ متغلغلة في الفرد. إنّه التّفكير قبل أي عمل ورؤية الأمور بعين الرّقيّ. ليس الوطن فقط شاب يشتم من أجل وظيفة منحه إياها الدّستور، ولكنّه أيضاً سؤال مطروح على ذاك الشّاب: ماذا قدَّمت أنت لهذا الوطن؟!
إنَّ منطق الأخذ دونَ عطاء والانتظار بدون عمل، هو سبب تخلّفنا، والتّفكير بمنظور (العالة)، هو مشكلة شبابنا، وليس هذا دفاعاً عن الحكومة الَّتي تحتاج أيضاً إلى موقف وطني. هناك الكثير من الشّباب بدأ بميزانية صغيرة ومجهودات كثيرة رافعاً شعار حبّ الوطن، واستطاع الوصول إلى مستوى يُحسد عليه.
عندما يكتبُ الصّحفيّ مقالته يجب أن يكون هدفه الأوّل إلقاء الضّوء على الأخطاء الموجودة مع إعطاء حلول بهدف التّصحيح والتّطوير، وكذلك الأمر عندما يعالج الطّبيب المرضى بصدق. ومن واجب عضو مجلس الشّعب تمثيل الفئة الّتي انتخبته بصدق وشفافية، حتّى الطّفل في بيته عندما يحترم قوانين البيت، وفي الحارة الّتي يعيش فيها عندما يحترم الجيران ويبذل جهده كي لا يزعجهم، وفي الحيّ الّذي يعيش فيه عندما يُحافظ على نظافته، وعندما يذهب إلى مدرسته ويُقدّر تعليمه بالإصغاء لمعلّميه، نكون بهذه الطّريقة نسير على درب حبّ الوطن.
كُلّ القطاعات في المجتمع تخضع للمنطق نفسه، ولكن دون ذلك لن ننجح أبداً، وهذا ما يحدثُ الآن، عندما يقوم البعض بالمرور بالزّحام بطريقة أنانية لا يحترم فيها الآخر.
إذاً الوطن هو المكان الّذي نولد فيه، ونعيش على أرضه، ونشرب من مائه، أمَّا الوطنية فهي المشاعر والذّكريات الّتي تربطنا بهذا المكان…
ومن الأفكار الأساسية الّتي يجب أن يُربى عليها الأطفال اليوم: الدّولة هي واسطة لا غاية بحدِّ ذاتها، إنّها للمواطن، وليس المواطن لها، فهي تُسهل للإنسان نموّه الطّبيعي والعقلي والأدبي. ولكن بالمقابل على الطّفل أن يعرف أن من واجبه تجنّب الضّجة والصّياح، والتّقيد بالقوانين، وبالنّظافة، وأن يهتمّ بمشاكل الآخرين، وتعزيز مفهوم العمل والخدمة لخلق جيل جديد قادر على بناء وطنه بصدق وأمانة.