كيف ننمّي الشعور بالمسؤولية في مجتمعاتنا؟!
نعيش اليوم في مجتمعاتنا حالة من ضعف الشّعور بالمسؤولية لدى الأطفال والشّبيبة، فالشّعب يشكو ويريد من المسؤولين أن يكونوا مسؤولين عن كُلّ شيء، ويطالب الحكام أن يصدروا الأحكام والقوانين حول جميع الأمور. فالتّلميذ يريد من معلّمه أن يشرح له الدّرس، وأن يقوم بتحفيظه إيّاه، ونراه يتدرج في مراحل التّعليم وهو يبحث عن ملخص من هنا وهناك. وأخذ يطالب المدرس أن يملي عليه محتوى الدّرس إملاءً، وبدأ الأهل يقيمون المعلّم الجيّد، بأنّه الّذي يقوم بتحفيظ التّلميذ المعلومة داخل حجرة الصّفّ، فأصبحت مهمة المعلّم أن يتعرّف على المعلومة ويهضمها ثُمَّ يقوم بتلقينها للتلميذ دون أن يدربه على أيّ نوع من أنواع المهارات، أشبه بالأمّ الّتي تتناول طعامها وتهضمه لكي يرضعه طفلها منها، وتستمر حالة الرّضاعة من فم المعلّم، ثُمَّ تتطور فتصبح رضاعة من فم المحاضر بالجامعة، ثُمَّ يخرج المتعلّم إلى الحياة العملية فيطلب الرّضاعة من الحكومة في جميع الأمور. فعلى الحكومة أن تُحارب المرض، وعليها أن تنشئ المدارس وتُعلّم، كما عليها أن تخلق فرصاً للعمل، وعليها القيام بكلّ شيء. أمّا المواطن فليس عليه من واجبات إلا أن يُطالب فقط بحقوقه. وأضحى أغلب حياته مطالب وأقلها مسؤوليات.
ولكي نتمكن من تجاوز هذا الموضوع في المراحل القادمة علينا بالإصلاح، والإصلاح يأتي بالتّربية، فهي الوحيدة الكفيلة بتشكيل شخصية الفرد تشكيلاً يجعله يشعر بالمسؤولية ويندفع نحو تحقيق غاياتها. فينمو الشّعور بالمسؤولية ويتجلى في جميع الميادين نحو: نفسه وأسرته والمجتمع، ثمّ تجاه مهنة أو وظيفة أو حتّى فكرة، وهنا تكون أولى خطوات البناء، فالمسؤولية أوّلها عمل وسبيلها عمل وهدفها عمل. وفكرة المسؤولية ليست قاصرة على التّربية في البيت أو المدرسة، وإنّما تمتد إلى تربية المجتمعات، والنُّظم كفيلة بتربية الأفراد لفترات بعيدة المدى. فالمؤسسة الّتي تعتمد الأسلوب المركزي في إدارتها تُعوّد الموظفين على الاتكالية، وبذلك يهبط مستوى الإنتاج والعمل. ونلاحظ حجة المدير المركزي هي ضرورة وجود رقابة دائمة، ولكنّ الرّقابة تؤدي إلى الإضعاف، لذلك نجد النّظم المركزية ظاهرها نظام، وعمقها تذمّر وشكوى، وإضعاف للتنشئة على تحمل المسؤولية. كما علينا أن نأخذ بالحسبان ما خلفته النّظم الاستعمارية على الطّفولة. فكما أنّ هناك تربية تؤدي إلى تنشئة السّادة، كذلك هناك تربية تؤدي إلى تنشئة العبيد التّابعين المطيعين الّذين لا يسببون المتاعب وينفذون كلّ رغبات السّادة.
وهنا على الآباء والمربين أن يتذكروا أنّ واجبهم هو تنشئة السّادة لا العبيد، فالسّادة وحدهم هم القادرون على بناء المجتمعات. ومن أجل ذلك علينا أن نهيئ الجوّ المناسب لتنمية الشّعور بالمسؤولية، وذلك بالقيام بالأعمال وإسداء الخدمات. فإذا نجح الإنسان بعمله وثق بنفسه، وإذا أخفق عدّل من سلوكه وبحث عن بداية جديدة لكي يتمكن من النّجاح، وبهذه الطّريقة يتعلّم ويكتسب خبرات ومهارات. وإنّ تربية الأطفال والشّبيبة على تحمل المسؤولية، هو حجر الأساس للاستقلال، فبناء شعب مستقل يستلزم أشخاصاً مستقلين، وبناء شعب اتكالي يستلزم أفراداً اتكاليين. ويؤكد الاختصاصيون أنّ التّربية على تحمّل المسؤولية كفيلة بأن تجعل الشّخص يشعر بأنّه موجود وله قيمة. وهنا على المربين ألاَّ يتجاهلوا توزيع المهام على أطفالهم منذ نعومة أظفارهم وبما يتناسب مع عمرهم وقدراتهم.
وقد جاء في البحوث الّتي قام بها علماء النّفس والاجتماع أنّ الشّخص السّعيد المتكيّف تكيّفاً كاملاً هو من يشعر بالمسؤولية ولديه إحساس مُتزن، سواء أكان ذلك نحو نفسه أم نحو الآخرين. أمّا غير المسؤول فهو على الأغلب لا يثق بنفسه ولا بالعالم المحيط به، ويركز اهتمامه على نفسه، وهو لذلك لا يستطيع أن يكون صادقاً في حبّه للآخرين، ولا يمكنه أن يقدم للناس المحيطين به حبّاً حقيقياً. وقد بيّنت البحوث أنّ غير المسؤولين والتّعساء، هم الّذين يركّزون اهتمامهم حول أنفسهم، كما أنّهم لا يتجاوبون مع أسلوب الحياة الديمقراطية لأنّهم لا يرغبون في تحمّل نصيبهم من العمل ولا يحترمون حقوق الآخرين، ولا يأبهون لشيء سوى رغباتهم وميولهم الخاصّة.
وهذه بعض الصّفات الّتي تُميّز الشّخص المسؤول:
* يهتم بالآخرين ويحترمهم كما يهتم بنفسه ويحترمها.
* يحبّ أن يتحمل نصيبه من العمل وينجز واجباته، ويعتمد على نفسه دون أن يسبب لغيره مشاكل لا داعي لها، ويقوم بواجباته دون مقابل، فهو شخص مجد في عمله.
* يعرف قدر نفسه ويتحمل مسؤولية آرائه وتصرفاته.
* هو والد فاضل، وجار طيب، وصديق صادق.
وقد أوضحت الدّراسات والبحوث أنّ الطّفل لا يولد مسؤولاً، وإنما يتعلّم كيف يكون مسؤولاً. لذلك من الضّروري أن يتعلّم التّعاون واحترام الآخر والأخلاق الكريمة كما يتعلّم المشي والكلام. ومن المتعارف عليه أنّ الأشخاص الّذين يتحملون المسؤولية يكون الحبّ دائماً أساس علاقاتهم مع الآخرين، أمّا الّذين يميلون إلى العداوة وتنطوي نفوسهم على المرارة وإيذاء الآخرين، فهم عادةً مشغولون بأحاسيسهم الخاصّة لدرجة تَصْرفهم عن تحمّل المسؤولية نحو أنفسهم ونحو الآخرين.
فإذا ما عملنا يداً بيد لإنشاء جيل مسؤول نكون قد خلقنا أشخاصاً مُجدّين يحبّون العمل ويقدرونه، قادرين على بناء حياة صحيحة سليمة لأنفسهم وعائلاتهم ومجتمعاتهم.
جمانة أوسي
المصدر (بتصرف):
تنمية الشّعور بالمسؤولية عِنْد الأطفال
لكونستانس فوستر..
ترجمة خليل كامل إبراهيم.