الأمن الثقافي بين التصحيح والتخريب
يفرز التطور والصراع كل يوم مصطلحات جديدة في تعدد الحالات الثقافية. فهناك ثقافات عدة استخدمت مسمياتها وما تزال قيد التداول، وظهرت مصطلحات موازية لها منها: (الأمن الاقتصادي والمائي والغذائي والثقافي..). وكما أن المواطنين بحاجة إلى الأمن الغذائي وتأمين الحياة الكريمة والكفاية، كذلك يحتاجون أيضاً إلى سدّ الحاجات الروحية والمعرفية.
يرى المفكر والباحث الدكتور عبد الإله بلقزيز، أن استعمال هذا المفهوم اقترن بميلاد ظاهرة العولمة في تسعينيات القرن الماضي.
وفي هذه المرحلة العصيبة التي يتفاقم فيها الصراع على المسرح السوري، يتطلب الأمر العمل بكل الوسائل لحماية ثقافتنا، من الأقلام المأجورة وأصحابها الذين يقومون بتشويهها، وتسويد صفحاتها والادعاء بأنهم يحافظون عليها وعلى هويتنا من الغزو الثقافي الغربي، وإغلاق منافذ المثاقفة بين الشعب السوري والشعوب الأخرى، في زمن عولمة الثقافة وطمس الهوية الوطنية والقومية. فالأمن الثقافي مصطلح للحماية وليس لبناء سور بيننا وبين الآخرين، والعمل على أرضية برنامج ثقافي قومي، تشترك فيه المؤسسات الثقافية وطيف المثقفين من مختلف الانتماءات الوطنية والمرجعيات الفكرية، من أجل عدم السماح لمن يحاول القيام بعمليات الهدم والتخريب، وحماية الثقافة من تسرب المؤثرات الخارجية، خاصة المبثوثة عبر وسائل الإعلام الرأسمالية والصهيونية. فهناك مئات منظمات المجتمع المدني في البلدان الإسكندنافية ومن الدول الأوربية الصناعية، تحاول استقطاب وجذب من تقدر على تشغيله تحت تسميات مختلفة بهدف تخريب ثقافتنا. وأصبح هؤلاء يشكلون الأدوات المنفذة في الأقطار العربية، في ظل أزمة وفوضى وعدم وجود ضوابط وغياب القانون. وقد خرجت أعداد منهم من سورية، وبدأت أقلامهم المحبَّرة بالدسّ والتشويه تؤلّب الأعداء ضد شعبنا وضد ثقافتنا بهوية غربية مدفوعة الأجر من البترو – دولار، والترويج لحالات الاستياء بين المثقفين الوطنيين المخلصين.
ولا يعني الأمن الثقافي إيجاد مخافر للشرطة وحراسات للمثقفين والثقافة، بل حماية الثقافة من التشوهات ومن الحبر المسموم والأقلام الرجعية التي تروّج بهذه الطريقة أو تلك، للشخصنة والتهكم وكيل الاتهامات لمؤسساتنا الثقافية ورموزنا الثقافية.
ومن أجل أن يتحقق الأمن الثقافي بوعي يمكن التركيز على الأمور الآتية:
أولاً – القيام بعملية الغربلة، وتخليص الثقافة من الفساد وإزالة الشوائب.
ثانياً – إشراك الطيف الوطني دون تمييز على أساس إثني أو طائفي أو فكري.
ثالثاً – حرية التعبير والقول والعقلانية، ومناهضة كل من يحاول الاعتداء على ثقافتنا وتخريبها.
رابعاً – إلغاء الرقيب على الفكر، فالمثقف الوطني التقدمي هو الرقيب على قلمه وكلمته.
خامساً – تهيئة التربة المناسبة لثقافة الحوار وترجمتها عملياً.
سادساً – تشكيل جبهة ثقافية واسعة في الخندق الوطني لمواجهة التجاوزات والتعديات على ثقافتنا ومثقفينا.
إن الأمن الثقافي مقابل إيجابي مكمل للأمن الغذائي، لحماية الثقافة الوطنية الأصيلة، والتركيز على ما هو إيجابي وفعال ومؤثر في تراثنا، ومن أجل مواجهة المشروع الثقافي الرأسمالي – الصهيوني، وعولمة الثقافة أو كما يطلق عليها (أمركة الثقافة). وقطع الطريق على الرجعية العربية الداعمة للإرهاب الثقافي المسلّح بالفكر الظلامي، المبني على أساسات هشّة من الموروث الأسود.