ضبط جودة التعليم العالي في سورية ضرورة ملحة لاستمرارية التطور (2من2)
إن التعليم سلسلة متواصلة وإن تطوير محتوى التعليم لا يجدي إلا إذا كانت نقطة البداية فيه العناية بطرق التعليم للمرحلة السابقة لمرحلة الدراسة الابتدائية، وذلك لأن تكوين الفكر المبدع الذي يستلزمه التقدم التكنولوجي والعلمي، وتعهد المواقف النفسية اللازمة لعصر العلم أمور ينبغي أن تبدأ منذ هذا العمر المبكر، وإهمالها في هذه المرحلة يعني التفريط بأهم مرحلة تتكون فيها المواقف الفكرية والنفسية لدى الإنسان، وبالتالي التفريط بطاقات علمية هائلة يمكن أن تثمر إذا تم تعهّدها منذ العمر المبكر.
وفيما يتعلق بمرحلة التعليم الثانوي، فإن التعليم النظري يطغى على التعليم المهني في سورية، على الرغم من الاهتمام المتزايد وتشجيع الدولة لهذا النوع من التعليم في الفترات الأخيرة،إلا أن نسبة تطوره ضئيلة بالقياس إلى تطور التعليم النظري على الرغم من الأهمية الكبيرة للكوادر الفنية والمهنية ودورها الأساسي في مختلف نواحي الحياة الاقتصادية.
أما في مجال التعليم العالي فلا يزال هذا التعليم عاجزاً عن إعداد المخرجات اللازمة لعملية التنمية التي نحتاج إليها، وعن مواكبة التقدم العلمي، وذلك لغياب التخطيط والتنسيق بين المؤسسات التعليمية وعدم تحديد متطلبات سوق العمل، فالمناهج إما مترجمة حرفياً من بلاد تختلف عن بلادنا من حيث السياسات الاقتصادية السائدة أو من حيث الهيكلية الاقتصادية أو من حيث الكوادر اللازمة لعملية التنمية، أو هي مناهج قديمة قد مضى عليها الزمن، فأي منهاج لا يعتمد على المرونة ومواكبة التطورات الحاصلة في المستوى العلمي والتقني، سواء في البلد المعني أو في المستوى الدولي، سوف يؤدي إلى إعاقة في عمليتي التطور والتنمية بتخريج الكوادر غير المناسبة وغير اللازمة لعملية التنمية هذه.
وكذلك نلاحظ التركيز على الجانب النظري بعيداً عن التطبيق العملي، وكذلك الاعتماد على الأساليب التي تعتمد التلقين والحفظ بدلاً من الأساليب التي تساعد على الإبداع والابتكار، ما أدى إلى حدوث فجوة كبيرة بين المنهاج التعليمي ومتطلبات سوق العمل من حيث المؤهلات والمواصفات.
ونجد أيضاً أن الأداء التعليمي لا يتناسب مع أهمية العملية التعليمية، ذلك أن عملية التدريب والتأهيل للكوادر التعليمية شبه معدومة، مما انعكس على سوية أداء المعلمين والكوادر الإدارية لعملية التعليم وبالتالي على سوية الأداء التعليمي الذي انعكس على سوية الموارد البشرية التي يخرجها هذا التعليم، كذلك نجد هناك إهمالاً وخروجاً عن المألوف من قبل أعضاء الهيئة التدريسية من خلال علاقتهم مع الطلاب وبعدهم عن تنفيذ الساعات المكتبية التي تسخر لخدمة الطالب ولتطوير البحث العلمي. وكذلك أصبح الهدف الأكبر هو كيفية جمع المال ولو على حساب الأداء، على الرغم مما منح لأعضاء الهيئة التدريسية من زيادة أجور وتحفيز ولكن لم ينعكس هذا التحفيز انعكاساً إيجابياً على الأداء التعليمي، وكذلك أصبح جمع المال هدفاً ولو على حساب الصحة أو الأداء في المؤسسات الحكومية، فسياسات التحفيز والأجور الجديدة لم تؤدّ إلى الارتقاء بأداء الكثير من أعضاء الهيئة التدريسية من خلال علاقتهم بالطالب أو بالجامعة أو بالبحث العلمي بما يتناسب مع ما تحقق من مكاسب، فالعلاقة بين الطالب والدكتور ما زالت غير مقوننة، فلا تفعيل للالتزام بالساعات المكتبية، ولا ضوابط علمية وعملية يلتزم بها الطالب في الجامعة من أجل تعليمه الانضباط وتواصله المستمر مع الجو الأكاديمي، سواء من خلال نسبة الحضور أو من زيادة نسبة المقررات العملية أو عدد حلقات البحث خلال سنوات الدراسة. فالتواصل المستمر للطالب بالجو الأكاديمي ضروري من أجل تدريبه على الانضباط من جهة، ولإعطاء العملية التعليمية وانتماءه الجامعي أهمية تنعكس على سلوكه العام من جهة ثانية، وكذلك نجد أن هناك الكثير من التعويم للشهادات، وخاصة في مراحل الدراسات العليا، إذ يجري التهاون في تشكيل لجان تحكيم الأبحاث وتقييمها بعيداً عن المعايير الموضوعية، فأصبح نيل الشهادات العليا من دون ضوابط، مع تصعيب شروط التسجيل في الكثير من الفروع، وهو المهم تطبيق القوانين والالتزام بها وليس التعجيز، وبالتالي أصبح هناك من يحاول أن يجمع بين الخاص والعام ولو على حساب الأداء، على الرغم من وجود قوانين تمنع ذلك، ونلاحظ أن تفعيل جامعات القطاع الخاص يتحقق برفع معدل علامات القبول في الجامعات الحكومية. ولا بد من التنبيه إلى وجود الفتور وعدم التنسيق والارتباط بين الجامعات والمجتمعات المحلية، فيجب العمل على تفعيل هذه العلاقة والتواصل الدائم عن طريق المؤتمرات والندوات، أو عن طريق الاستفادة من إمكانات القطاع الخاص والأهلي في التدريب العملي للطلاب من جهة، ومن أجل المساهمة في عملية البحث العلمي وتطوير التعليم بما يتناسب مع متطلبات هذا المجتمع من جهة ثانية.
وأخيراً لا بد من القول إن التوسع الأفقي في التعليم، إن تحقق وفق أسس ومعايير واضحة ومراقبة ومتابعة، يكون ذا مردود كبير لصالح المؤسسات التعليمية ولصالح التنمية عموماً، ولكن إن كانت البداية تحتوي على أخطاء في الأداء وفي الأسلوب، فسوف تكون تكلفة التصويب نحو الطريق الصحيح ذات تكلفة، وخاصة في ظل التطور الكبير الذي حصل في جامعات الدول المحيطة التي أصبحت مركزاً لجذب الطلبة غير المحليين، وبالتالي يجب أن تعتمد الجامعات السورية الخاصة على جودة المخرجات لتحقيق الأرباح، وأن تصبح مركزاً لجذب الطلبة غير السوريين، إضافة إلى السوريين من أجل تحقيق أهدافها الخاصة والأهداف التعليمية التعليمية في سورية.
للإطلاع على الجزء الأول: ضبط جودة التعليم العالي في سورية ضرورة ملحة لاستمرارية التطور (1من2)