زواج الأطفال

ارتفعت، خلال الأزمة، نسبة زواج الأطفال أو زواج القاصر، خاصّةً داخل مراكز الإيواء أو مخيمات اللاجئين، فما هو زواج الأطفال؟ وما الأسباب الّتي تدفع بعض الأسر إلى تزويج بناتهنّ باكراً؟!

ما هو زواج الأطفال؟!

هو زواج الفتيان والفتيات دون سن الثامنة عشرة. وقد كان هذا النّوع من الزّواج شائعاً في العصور القديمة والوسطى، في جميع أنحاء العالم، ومع بداية القرن العشرين، أخذت غالبية الحكومات تعمل للحدّ من هذه الظّاهرة، لما لها من آثار سلبية خاصّة على صحّة الفتاة، فما هي هذه الآثار؟!

أولاً- الآثار الجسدية:

(أ) على صحّة الفتاة:

1. ازدياد نسبة الإصابة بمرض هشاشة العظام وفي سن مبكرة، بسبب نقص الكلس من الجسم.

2. ظهور التّشوهات العظمية في منطقة الحوض والعمود الفقري بسبب الحمل المبكر.

3. ارتفاع نسبة الإجهاض والولادات المبكرة، وذلك إمّا بسبب خلل في الهرمون أو لعدم تأقلم الرّحم على الحمل، مما يؤدي إلى انقباضات رحمية متكررة ينتج عنها نزيف مهبلي حاد وولادة مبكرة.

4. ارتفاع في ضغط الدّم مما قد يؤدي إلى فشل كلوي.

5. ارتفاع نسبة الولادة القيصرية نتيجة تعسر الولادة في هذه السّن المبكرة.

6. ارتفاع نسبة الوفيات نتيجة المضاعفات المختلفة الّتي رافقت الحمل.

(ب) على صحّة الطّفل:

1. اختناق الجنين في بطن الأمّ نتيجة القصور الحادّ في الدّورة الدّموية المغذية للجنين.

2. الإصابة بالعمى والإعاقة السّمعية.

3. الولادة المبكرة وما يرافقها من مضاعفات مثل:

* قصور في الجهاز التّنفسيّ لعدم اكتمال نموّ الرئتين.

* مشاكل في الجهاز الهضميّ.

* تأخر النّموّ العقلي والجسدي.

* ارتفاع نسبة الإصابة بالشّلل الدّماغي.

ثانياً- الآثار النّفسية:

1. الحرمان العاطفي من حنان الوالدين، فالطّفلة تُحرم من أن تعيش طفولتها بسلام، الأمر الّذي قد يؤدي إلى إصابتها بأمراض نفسية كالفُصام، والهستيريا، والقلق والاكتئاب وغيرها من الأمراض الّتي تؤدي إلى اضطراب الشّخصية.

2. مشاكل مع الزّوج نتيجة عدم تفهم الزوجة الطّفلة لمعنى الزّواج والمسؤوليات المترتبة عليه بما فيه المسكن والمودة.

3. الإدمان نتيجة لكثرة الضّغوط كي تهرب القاصر من مشاكلها.

4. يُعتبر الخوف حالة طبيعية لدى الأطفال كالخوف من الظّلام والغرباء والبعد عن الوالدين، ولكن هذا الشّعور يزول بعد سنّ البلوغ، أمّا عندما تتعرض القاصر لتجربة الزّواج باكراً وبشكلٍّ وقسرياً، فإنّه يصبح خوفاً مزمناً، وينتج عنه عدّة أعراض جسدية تحتاج إلى تدخل طبي كي تتم معالجتها.

5. عدم اكتمال النّضج الذّهني فيما يتعلق باتخاذ القرارات وما يترتب عليها من العناية بالطّفل وتربيته وحمايته من المخاطر، وبالتالي ينتج لدينا أم -طفلة غير ناضجة، وطفل غير ناضج.

ما هي الأسباب الّتي تؤدي إلى الزّواج المبكر؟!

إنّ السّبب الأوّل والرّئيسيّ لزواج الفتيات باكراً هو الوضع الاقتصادي المتدني، فزواج القاصر وسيلة لتحسين الدّخل المادي للأسرة، ولكن هل دائماً يكون العوز المادي هو وراء زواج القاصر؟ أليس من الممكن أن يكون صفقة تجارية بين العائلات الثرية لضمان استمرارية الشّراكة؟ جاد وباسم قاما بتزويج ولديهما وهما بعمر الخمس سنوات لكي يضمنا الشّراكة فيما بينهما… وهنا نجد الجهل والتّخلف والمصالح الماديّة، فقد فضّلا المكسب المادي على بناء شخصيات أولادهم بناء صحيحاً، وترك لهم حرية اتخاذ القرار.  إضافة إلى الوضع الاقتصادي هناك الأعراف والتّقاليد السّائدة في بعض العائلات الّتي تُؤمن بأنّ زواج الطّفلة باكراً يُبعد عنها الأذى، وهو سترة لها. يقول وسيم البالغ من العمر 50 عاماً (زواج البنت سترة، ما بدّي بنتي تدرس وتتعلم بعدين بتصير بتفهم وبتصير بتقول لي شو الصّح وشو الخطأ، وبتحاسبني، خليها تتجوز هلأ وهي عمرها 12 سنة أحسن ما تتفتح وما بعود بقدر عليها).

أمّا سعاد فهي أرملة وأمّ لطفلتين، تقدّم لخطبة ابنتها الكبرى البالغة من العمر تسع سنوات رجل بعمر الأربعين، فوافقت عليه لأنّه دفع لها مهراً كبيراً، ولكن عند سؤال الطّفلة عن رأيها أجابت (أنا ما بعرف شو يعني زواج، بس أحسن ما آكل من الشّارع، قال بدّو يطعميني أكلات طييبة)، ولكنّها للأسف بعد الزّواج أُصيبت بصدمة كبيرة، فقد أطعمها عوضاً عن الطّعام اللّذيذ الضّرب المميت.

* إنّ زواج الأطفال يسهم بشكل مباشر بتدمير شخصية الطّفل داخل المجتمع ويمنعها من التّطور، وهو اعتداء على حقّ الطّفل/ أو الطّفلة في أن يعيش طفولته ويكتسب الخبرات المناسبة لفئته العمرية.

يبقى السّؤال: ما هو دور قانون  السّوريّ للأحوال الشّخصية في زواج القاصرات؟ وما الإجراءات الّتي اتخذت بحقّ هؤلاء الأطفال، مع العلم بأنّ التّشريعات السّوريّة تؤكّد أنّ سن البلوغ هو سن الثامنة عشرة، وأنّ التّعليم إلزامي لنهاية المرحلة الإعدادية. لذلك نحن بحاجة اليوم لنقف معاً يداً بيد لمنع زواج القاصر وحماية الطّفولة لأنّها أمل المستقبل.

العدد 1140 - 22/01/2025