جمعية العلوم الاقتصادية تبحث تنمية الاقتصاد السوري
الحمش: وضع نموذج سوري للتنمية والإعمار يحقق التنمية الاجتماعية والاقتصادية
رأى الباحث الاقتصادي الدكتور منير الحمش أن محنة سورية شعباً ودولة، ومحنة الاقتصاد السوري سببها وقوعهم أسرى لسياسات اقتصادية واجتماعية من جهة وقوى فساد من جهة أخرى، خلقت الظروف الملائمة لظهور حواضن للإرهاب في بعض الأماكن، وكانت السبب المباشر للكبوة الكارثية التي وقعت فيها البلاد منذ آذار 2011. جاء ذلك خلال ندوة لجمعية العلوم الاقتصادية بعنوان (نحو نموذج سوري للتنمية والإعمار)، عقدت يوم الخميس 7 آب 2014 وافتتحها رئيس الجمعية الدكتور كمال شرف بتساؤله عن عدم حضور أي من المسؤولين عن الملف الاقتصادي وعزوفهم عن ندوات كهذه، ومنتقداً في الوقت ذاته عقلية المكلفين بإدارة الملف الاقتصادي التي تمنعهم من الاستماع إلى الرأي الأخر.
وقدم الدكتور الحمش خلال الندوة تصوراته ورؤيته لأسباب الأزمة السورية وتداعياتها على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي، واقترح الحلول التي قد تساعد على تجاوزها، مقترحاً أفضل السبل، حسب وجهة نظره، لإعادة الإعمار والنهوض بالاقتصادي الوطني الذي دمرته الأحداث المؤسفة التي تتعرض لها سورية منذ 2011 متسائلاً في الوقت نفسه: هل هذا هو الوضع المناسب لطرح هذا الموضوع؟ مجيباً بِنعم، نتيجة لما نسمعه ونقرؤه عن تحركات في دول الجوار وفي أروقة المؤسسات الدولية مضمونها (إعادة إعمار سورية) والإمعان في السياسات الليبرالية، وما يروّج من مشروعات قوانين داخلياً وخصوصاً مشروع التشاركية. فإذا كان الآخر يعمل، فلماذا لا نعمل نحن لطرح مشروع وطني سوري يُسهم في إنقاذ البلاد، وتلتف حوله جميع طبقات الشعب؟.
أما حول اقتراحه لمشروع وطني سوري للتنمية، فيجيب الحمش: إن غزارة التجارب التنموية في سورية منذ الاستقلال وحتى الآن أغنت تجاربنا وأمدّتنا بدروس قيّمة، إضافة إلى أن الاقتصاد السوري تعرض لعملية تخريب متعمدة وممنهجة خلال الأزمة، قضت على جهود سنوات من العمل الاقتصادي. ومن الأولى أن يتحمل الإنسان السوري عملية إعادة البناء. لهذه الأسباب لابد من وضع نموذج سوري للتنمية والإعمار يحقق التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ووضع برامج صحية وتربوية واجتماعية تعيد الحيوية النفسية والجسدية والإنسانية للإنسان السوري.
وشدد على ضرورة وضع هوية اقتصادية للبلاد لأنها البوصلة التي تقودنا إلى المستقبل المنشود، وتكشف عن الانحراف في الوقت المناسب. مدعماً رأيه بالمادة (13) من الدستورين الحالي والسابق، فقد أكدت المادتان أن الاقتصاد السوري هو اقتصاد مخطط، وأشار إلى الأهداف التي حددها الدستور الجديد والتي يجب الوصول إليها؛ وهي التنمية الشاملة والمستدامة.
وبالنسبة لقضية التنمية شدد الحمش على أنه لا يمكن تحقيقها في إطار التبعية للنظام الرأسمالي العالمي أو تحت وصاية المؤسسات الدولية، لذلك لا بد من التمسك بالسيادة الوطنية. ويجب التطلع إلى استدامتها مراعين في الوقت نفسه البعد البيئي ومتطلبات الأجيال القادمة. كما أكد أن التجارب الدولية والإقليمية أثبتت أنه لا يمكن الرهان على الاستثمارات الخارجية في تحقيق التنمية، وقال: (في حال بحثنا عن استثمارات خارجية علينا التأكد من أنها لا تمس السيادة الوطنية. ويجب أن يكون اعتمادنا الأساسي على الموارد المحلية الوطنية في عملية التنمية).
وبخصوص عملية التنمية شدد على معالجة الاختلال في الاقتصاد الوطني، نتيجة الممارسات الاقتصادية السابقة، التي حولت الاقتصاد الوطني إلى اقتصاد ريعي. مع التنبه إلى الإهمال شبه المتعمد للمناطق الريفية، وخصوصاً الشمالية والشمالية الشرقية، التي وجدت فيها قوى التكفير الأرضية الملائمة للتغلغل والتمدد، مع ضرورة معالجة السياسات الخاطئة التي أدت إلى تعميق الهوة في المجتمع ككل.
أما حول مصادر تأمين الموارد لعملية التنمية، فقدم السيد الحمش وجهتي نظر، الأولى تمثل وجهة نظر المؤسسات الدولية والشركات المتعددة الجنسيات ورجال الأعمال الفاسدين الذين اغتنوا على حساب الشعب وهربوا بأموالهم عند بداية الأحداث، ويعبر عن هذا التوجه النائب الاقتصادي السابق عبدالله الدردري، وملخص هذا التوجه يقول: إن الخزينة السورية والموارد المحلية لا تستطيع تأمين التمويل اللازم، ولابد من القروض الخارجية التي ستقدمها هذه الجهات.
أما وجهة النظر الرسمية التي يمثلها الدكتور همام الجزائري رئيس هيئة تخطيط الدولة، وبالأخص في تصريحه الأخير لجريدة الثورة في 15 تموز 2014 بقوله: (في غياب واردات النفط وغيره لا بد من التفتيش عن مطارح ضريبية جديدة…. وفي مجال إعادة الإعمار يبدو أن هناك احتمالان إما الاقتراض الخارجي أو زيادة الاستثمارات المحلية). السيد الجزائري يفضل الاحتمال الثاني، وهو يرى أن قانون التشاركية يحل هذه المشكلة.
ويرى الدكتور الحمش أن رأيَيْ الدردري والجزائري يلتقيان وإن بصيغ مختلفة، فهو يرى أن تلزيم القطاع الخاص بعض مشاريع إعادة الإعمار (مشروع التشاركية) سيفتح المجال للشركات المتعددة الجنسيات للدخول بطريق غير مباشرة عن طريق القروض التي ستقدمها للقطاع الخاص، وهذه القروض سيتحملها الاقتصاد السوري. (معتبراً: التشاركية =الاقتراض=الارتهان للخارج).
وحذر في نهاية ورقته البحثية التي قدمها من أن مشروع التشاركية يتجه نحو البنية التحتية التي يعتبرها خطاً أحمر لأنها تعني المساس بالأمن القومي.
تلا ذلك حوار غني، نعرض أبرز ما جاء فيه:
مرزوق: ماذا نريد من المستقبل؟
وطرح الباحث الاقتصادي د.نبيل مرزوق تساؤلات حول: ماذا نريد من المستقبل؟ مبدياً اعتقاده بضرورة وضع مقدمات صحيحة حتى نصل إلى نتائج إيجابية، وقال: (هل ما حدث في سورية نتيجة مؤامرة أو بسبب أزمة في بنية المجتمع؟)، معتقداً أن التحليل لما حدث هو وجود مشكلة تنموية – اجتماعية – سياسية واقتصادية.
سكر: ضرورة مشاركة القطاع الخاص ضمن ضوابط
كما قدم د.نبيل سكر مداخلة قال فيها: (إن المؤامرة وجدت ولكن أساس القضية هو سياسي، سببه تهميش المجتمع المدني بالكامل). وبالنسبة لهوية الاقتصاد السوري في المرحلة القادمة، لا يرى الدكتور سكر ضرورة لطرح هذا الموضوع لأن اقتصاد السوق الاجتماعي فرض نفسه، وما نحتاجه الآن هو تطبيقه بشكل جيد وتحاشي الأخطاء المرتكبة في الفترة السابقة. وأبدى اعتراضه على فكرة العودة إلى أسلوب التخطيط المركزي لأنه أثبت فشله.
وفيما يتعلق بتمويل إعادة الإعمار بين الباحث الاقتصادي د.سكر أن الموارد المحلية لن تغطي عملية التمويل، وستؤدي إلى إرهاق المواطنين نتيجة لزيادة الضرائب. وحول موضوع التشاركية أكد وجوب إدخال القطاع الخاص في بناء البنية التحتية بشرط وضع الضوابط اللازمة.
المنيّر: إنهاض الاقتصاد المتعثر أم إعادة الإعمار؟
وشدّد الباحث الاقتصادي بشار المنيّر على أن الموضوع الهام هو (التنمية وإعادة الإعمار). مؤكداً ضرورة توجيه التمويل إلى إنهاض القطاعات المنتجة وإعادة تفعيل دورة العمل بشكل صحيح وسليم. وتساءل: أيهما لهم الأولوية: إنهاض الاقتصاد المتعثر أم إعادة الإعمار؟ وفي حالة ضرورة تلازمهما، ماذا يجب علينا أن نفعل؟
وشدد المنير على ضرورة عودة هيبة الدولة إلى جميع أراضي الجمهورية وخصوصاً آبار النفط ومستودع الغذاء السوري في المنطقة الشرقية التي تدرّ الدخل الاستراتيجي للبلاد. وأكد ضرورة العمل على إعادة القطاعات المنتجة إلى العمل لتتمكن من ضخ الأموال اللازمة لخزينة الدولة وتمويل إعادة الإعمار، وخصوصاً أن القطاعات الصناعية في البلاد تعاني حالة ركود فظيعة.
نمر: التعامل مع الخارج على أسس سليمة
وأكد الأمين العام للحزب الشيوعي السوري الموحد حنين نمر أن البحث في قضية إعادة الإعمار هو بحث في مجمل الأمور، لافتاً إلى أن الأزمة السورية قضية مركبة ذات صلة بالوضع السياسي العام الذي لم يستطع مواكبة التطورات في البلاد، ولم يعمل على توفير الوضع الطبيعي للاقتصاد حتى يعمل ويزدهر.
وبالنسبة لموضوع التشاركية بيّن نمر أن الاقتصاد المغلق ليس هو الطريق الصحيح للتنمية، مؤكداً وجوب التعامل الصحيح مع الاقتصاد المفتوح، وتساءل في الوقت نفسه: (هل عجزنا عن استنفار مواردنا المحلية وطاقاتنا الكامنة على أسس صحيحة حتى نتوجه إلى الخارج؟)، وأشار إلى ضرورة التعامل مع الخارج وفق أسس صحيحة، ودون المساس بالقرار السيادي.
قلاع: مساهمة المواطن في إعادة الإعمار
أما نائب رئيس الجمعية السورية للعلوم الاقتصادية غسان قلاع فأكد أن سورية اليوم تسير بمنطق جديد وعقلية جديدة ومفاهيم جديدة، وانتقد مفهوم النهج الاقتصادي، مبدياً اعتقاده بضرورة وجود خط اقتصادي لا يُخالف. ونوه بضرورة التمويل المحلي للمشاركة في إعادة الإعمار حتى يساهم المواطن في بناء وطنه من تعبه وعرقه. وتساءل: متى نبدأ عملية التنمية المستدامة؟
غرير: عدم جلد الذات
وشدد الباحث الاقتصادي د.موسى غرير على عدم جدوى جلد الذات، لأن المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية موجودة في جميع البلدان بشكل قد يكون أعمق من التي موجودة لدينا، ويجب حلها بطريقة صحيحة. وتساءل بالنسبة للتشاركية: هل الدولة قادرة على تحقيق التنمية المعقدة والمركبة بمفردها أم أننا بحاجة إلى الآخر؟ مشدداً على أن الآخر يجب أن يكون من الداخل. وبخصوص تأمين مصادر التمويل، قال غرير: إن الموارد المحلية غير كافية لإعادة الإعمار في سورية، وفي حال الاتجاه نحو التمويل الخارجي يجب أن نحاول أن نتوصل إلى شروط للتمويل تكون في مصلحة بلدنا قدر الإمكان.
الخضر: اختلاف الآراء… غنى
مدير المعهد العالي لإدارة الأعمال (هبة) د.علي الخضر بين أنه لا توجد حكومات فاشلة بل توجد سياسات فاشلة، فالحكومات السورية المتعاقبة لم تتمكن من صياغات سياسات يلتئم حولها قطاعات كبيرة من المجتمع السوري. واعتبر أن اختلاف الآراء بشأن الأزمة ومسبباتها هي غنى، حتى نتمكن من وضع سيناريو واحد للخروج منها يتفق الجميع عليه.
وفي موضوع هل هي مؤامرة أم أزمة؟ قال الخضر: (هي الاثنان، الغالب فيها العامل الخارجي على الأزمة الداخلية). وطرح في ختام مداخلته التساؤل التالي: ما هي الأولوية الآن، إعادة الإعمار أم الخروج من الأزمة؟
كنعان: الاستدانة شر لابد منه
أما الباحث الاقتصادي السيد علي كنعان فشدد على أهمية الاستفادة من تجارب الدول الأخرى، وطرح النموذج الألماني مثالاً ونموذجاً يحتذى به للتقارب بين حيوية المواطن السوري والألماني. داعياً في الوقت نفسه إلى نموذج تدخلي للدولة التي ترسم سياسات توجه القطاع العام والخاص، وليست دولة توزع مزايا على فئات معينة من القطاع الخاص، شرط أن تكون هذه الدولة ديمقراطية مدنية. واعتبر قضية الاستدانة من الخارج شراً لا بد منه، مبدياً اعتقاده أنها تساعد الدول على النمو والتطور.
خربطلي: الرقص مع الذئاب (النموذج الصيني)
بدوره مدير غرفة تجارة دمشق عامر خربوطلي رأى أنه لا معنى لأي سياسة لا تؤدي إلى تحسين المستوى المعيشي للمواطن، داعياً في الوقت نفسه إلى معالجة مشاكل الفقر والبطالة وسوء توزيع الدخل. وقال: (إن التغيير الاقتصادي مطلوب في كل مرحلة). ودعا إلى إعادة هندسة العمليات والإجراءات الإدارية حسب القاعدة التالية: (أقل تكلفة، أقل وقت، أقل جهد). مقترحاً إعطاء المهمات إلى من يكون قادراً على إنجازها بأعلى كفاءة، بغض النظر عن القطاع العام أو الخاص. وشدد على ضرورة الاعتماد على الذات مع إدخال الاستثمارات الأجنبية ضمن شروطنا، حسب النموذج الصيني.
العمادي: المشاركة الشعبية في إعادة الإعمار
في ختام الندوة دعا وزير الاقتصاد الأسبق د.محمد العمادي إلى المشاركة الشعبية في عملية إعادة الإعمار ضمن البيئة الشعبية التي توجد فيها عبر ترميم وتأهيل المرافق العامة التي دُمّرت، كل حسب استطاعته.
وشدد العمادي على التعاون والتعاضد بين مختلف أطياف المجتمع السوري حتى نتلافى الأشياء التي لا نرضى عنها.