جمعية «العلوم الاقتصادية» تبحث أزمة الطاقة

عربش: تحويل قطاع الطاقة إلى دافع للنمو الاقتصادي

 

(لم تعد المسألة الطاقوية فقط مواءمة العرض مع الطلب أو مواجهة تحديات كل من قطاع النفط والغاز والكهرباء وتحقيق الكثافة الطاقوية المثلى، بل كيف يمكن لمنظومة الطاقة ككل أن تعود وتعمل بفعالية، وهي التي تضررت بشكل بالغ في بنيتها التحتية، وتتطلب تمويلاً يفوق الإمكانات الذاتية، وبالتوازي مع تلبية متطلبات تمويل قطاعات اقتصادية واجتماعية لا تقل أهمية عن قطاع الطاقة، خاصة أنه دون تأمين مشتقات الطاقة كمواد احتراقية وكمدخلات إنتاج لا يمكن تحقيق الناتج المحلي لقطاعات عديدة، ليس أقلها قطاع النقل والصناعة والخدمات…!)، بحسب ما أفاد به الباحث الاقتصادي د. زياد عربش خلال ندوة نظمتها جمعية العلوم الاقتصادية يوم الخميس 14 آب بعنوان (مكون قطاع الطاقة: من مقيد إلى مساند ومعزز للبناء والنهوض الاقتصادي)، وأشار د.عربش إلى أضرار البنية التحتية لقطاع الطاقة (النفط والغاز والكهرباء) من تهديم وتدمير مروراً بسرقة أو تخريب الأصول الرأسمالية أو سيطرة مجموعات مسلحة عليها، وهجرة الكوادر الفنية، إضافة إلى توقف عمل الشركات، باستثناء عمل محدود من الشركات الروسية، فضلاً عن توقف عمل عدد من محطات الضخ وخطوط الإمداد قبل وبعد معامل المعالجة أو المصافي وصولاً إلى الحلقات المتقدمة، وبين أن إنتاج النفط الخام انخفض إلى نسبة 5% مما كان عليه قبل بداية الأزمة أي20 ألف ب/ي مقارنة بـ400 ألف ب/ي قبل الأزمة، وفي الأيام الأخيرة هبط هذا المستوى إلى 10 آلاف ب/ي، وإنتاج الغاز بنسبة 40% إلى دون 20 مليون م3 كما انخفضت الطاقة المركبة لإنتاج الكهرباء إلى نسبة 40% بحدود 3500 ميغا واط. وتعرض خط الغاز العربي للعديد من عمليات التخريب، مع توقف تصدير النفط الخام أو الكهرباء، واستيراد الخام ومشتقاته عبر روسيا، مع احتمال زيادة المديونية الخارجية لسورية، ولفت إلى خسائر قطاع النفط المباشرة وغير المباشرة، مؤكداً أن توقف صادرات النفط الخام يعني نقصاً في الربح (في حال لم تستنزفه المجموعات الإرهابية المسلحة بآثار سلبية تفوق قيمة ماكان سيصدر، فبيع البرميل بـ25 دولاراً لتكريره بدائياً يعني خسائر كلية تفوق بكثير سعر بيعه العالمي، وخاصة أن الكلف البيئية ستكون مرتفعة جداً).

كما سلطت الورقة البحثية التي قدمها الباحث الضوء على عقدة التمويل التي ستكون من القضايا الشائكة والسهلة في نفس الوقت، وقال عربش: (إن إعادة تقييم مناطق الإنتاج والاستكشاف بما فيها البحرية ودعوة الشركات الدولية للتنقيب وتطوير الحقول المتوقفة عن الإنتاج والهامشية سيكون ضمن عقود تقاسم الإنتاج دون تحمّل أعباء مالية من الجانب السوري، وليقتصر التمويل على حقول السورية للنفط وإشراك القطاع الخاص تحديداً في إنتاج الكهرباء وتوزيعها وجباية استهلاكها، ضمن أطر التشاركية المختلفة، وبما يضمن تجاوز عقد التمويل).

ولفت د.عربش إلى أن عودة النشاط الاقتصادي والخدمي وعودة المهجرين والنازحين ستزيد الطلب على الطاقة (خاصة الكهرباء، إذ ستشهد إمدادات الطاقة حدوث اختناقات عديدة لا سيما أن عودة النشاط وبدء عملية الإعمار وإعادة تأهيل القطاعات الأخرى سيجعل الطلب يتضاعف 200-300% وهذا لا يمكن تأمينه دفعة واحدة، وبالتالي حدوث أزمات متكررة في مادتي الفيول (المنزلي والصناعي) والبنزين، و(تواتر) انقطاع التيار الكهربائي واشتداد الحمولات على شبكة، هي بالأصل وبصعوبة تلبي الطلب المنخفض حالياً وتصان إسعافياً (نظام الدوائر لتأمين التغطية)، وقد يؤدي كل ذلك إلى تهديد جدي لمنظومة الكهرباء وإعاقة تحقيق أي معدل إيجابي للنمو.

وأكد أهمية إعادة دراسة كامل منظومة الأسعار (حوامل الطاقة والسلع والخدمات كافة)، وقال: (تم في السابق وقبل بداية الأزمة تحرير مخرجات الإنتاج والاستيراد دون تحرير مدخلاته، ونتج عن ذلك تشوهات سعرية ومحاباة للدعم، كما شهدنا ارتفعات متلاحقة لكامل أسعار حوامل الطاقة (وكمواد أولية) باستثناء الكهرباء!. طبعاً يتطلب الأمر دراسة مقترح تخفيف أعباء رفع الأسعار وإعادة توجيه الدعم).

كما لفت إلى أهمية الموقع الجغرافي لسورية كبلد للعبور، وقال: (إن لعبها لبلد عبور للنفط العراقي أو/ والسعودي والغاز الإيراني،  يتطلب دراسة مكانة سورية في الإقليم والتعاون الاقتصادي، وتعظيم منفعتها الجغرافية في منطقة البحار الخمسة ليس فقط كبلد عبور، بهدف تمويل البنية التحتية وتأمين الإمداد الطاقوي وتنويع مصادر الدخل القومي. فإنشاء خطوط نقل الطاقة من دول الجوار عبر سورية وخاصة من العراق وإيران والسعودية يتطلب دراسة الخطوط المحورية (أ) لنقل النقط العراقي، (ب) لنقل النفط السعودي، (ج) لنقل النفط أو الغاز الإيراني، وقد تصل التكلفة من 2- 3 مليارات دولار، الأمر الذي يتطلب تحالفات طويلة الأمد، وأن يقع التمويل على الجانب العربي مقابل عوائد عبور أقل.

 وأضاف: (على الرغم من هامشية موارد سورية النفطية والغازية الحالية مقارنة باحتياطيات دول الخليج العربي، إلا أنها تقع في قلب النظام النفطي العالمي (وبدرجة أقل النظام الغازي)، إذ ستزداد مكانة سورية أهميةً في السنوات والعقود القادمة لتلبية الطلب المتنامي على هاتين المادتين في جميع أنحاء العالم، خاصةً مع ذخر دول الخليج العربي لما يقارب ثلثي الاحتياطي العالمي للنفط ونحو ثلث الاحتياطي العالمي للغاز، ونضوبهما في مناطق الإنتاج الأخرى، وبقائهما سلعتين إستراتيجيتين بامتياز (على الأقل لأجل 2030-2040)، مع تزايد حاجة الدول الصناعية والصاعدة للمزيد من الإمدادات النفطية والغازية من خارج مناطقها) وأضاف: (وانطلاقاً من موقعها كأحد أهم ممرات عبور النفط والغاز من منطقة الخليج العربي باتجاه البحر المتوسط ستكتسب هذه المكانة أهمية بالغة وستجعل سورية تلعب دوراً إقليمياً مهماً في تأمين الإمدادات النفطية والغازية المطلوبة عالمياً).

وفي سياق متصل أكد ضرورة التصدي لمسألة الهدر والفاقد الطاقوي بجميع أنواعه وتطبيق ترشيد حقيقي لاستهلاك الطاقة، خاصة أن الهدر الطاقوي تجاوز نسبة 30% من الاستهلاك الحالي. واعتبر أن الطاقات الجديدة قطاعات رديفة لقطاع الطاقة التقليدي ورافعة للنمو والتشغيل والتنمية المستدامة والمتوازنة، ومنها الطاقة الكهروشمسية ومزارع كهروريحية لتأمين الطاقة الكهربائية وتحقيق الاستقلالية الطاقوية وتخفيض فاتورة الاستيراد وتوظيف العمالة ورفع النمو من خلال مزارع ريحية.

كما أشار إلى أثر هجرة العقول وأثرها على المستقبل والتكلفة التي نحتاجها لإعادة تدريب غيرها، مشدداً على ضرورة مكافأة العاملين في قطاعي الكهرباء والاتصالات مكافأة مجزية لقاء أتعابهم الكبيرة.

القلاع: استخدام الفيول لتوليد الكهرباء رفع الأسعار

في النقاش رأى نائب رئيس جمعية العلوم الاقتصادية غسان القلاع أن الطاقة هي موضوع الساعة، وجميعنا نعيش أزمة الطاقة (المصنوعة والتي اشتُغل عليها بإتقان)، وكان من نتيجتها تعطل الصناعة والتجارة والزراعة وكذلك الحياة المنزلية.

ونبّه القلاع إلى أن التدخل العسكري في الشأن السياسي كان نتيجة تمديد أنابيب النفط والغاز عبر سورية، وشدد على ضرورة إنتاج الكهرباء باستخدام الطاقات المتجددة ومنها الرياح، كما أشار أن توليد الكهرباء باستخدام الفيول -المعد للاستهلاك الصناعي- زاد من حجم استهلاكه وبالتالي رفع السعر على الصناعي والمستهلك.

وشدد على ضرورة إجراء إحصاء دقيق للمواطنين المتضررين مادياً والمعاقين الذين سيكون على المجتمع تأمين احتياجاتهم لسنوات طويلة قادمة.

المنير: رفع الأجور

وتحدث الباحث الاقتصادي بشار المنيّر عن الخطأ في عدم وضع خطط منذ خمسينات القرن الماضي لتأمين الطلب المتزايد على الطاقة وعدم وجود منهج ثابت للطاقة، وقال: لماذا أنشأنا قصر المؤتمرات ومشاريع عقارية أخرى ولم ننشئ محطة نووية للكهرباء؟!، وتساءل كم كانت الطاقة تمثل من التكاليف النهائية في المشاريع الصناعية في الخمسينات وكم تمثل اليوم؟ وأكد أن إيجاد منهج كامل للخلاص من أزمة الطاقة مرتبط بكيفية حل الأزمة السورية.

وفيما يتعلق بتحرير أسعار الطاقة وإيصالها إلى الأسعار العالمية قال المنيّر: (يجب أن تكون أجرة اليد العاملة السورية أيضاً في الحدود العالمية).

اللحام: عدم التمترس

أما الباحث الاقتصادي فؤاد اللحام فرأى أن المسألة الأساسية هي التمويل، ولا يمكن أن نتكلم بالإعمار دون مناخ سياسي ووجود أرضية تتقبل المسامحة والمصالحة، وإلا نكون نهيئ لأزمة قادمة، مشدداً على التفكير في البدائل الحالية لتأمين التمويل، مؤكداً أن الحل لا يقتصر بعبارة (أريد أو لا أريد) بل يجب التفكير بكيفية إعادة من سافر.

ونبه اللحام إلى عدم تمترس الأفكار بموقف معين.

الحمصي: أهمية الطاقات المتجددة

وفيما يتعلق بالسياسات الحكومية الحالية الرامية لرفع الدعم قال مستشار وزير الكهرباء د.خالد الحمصي: (إن التضحيات يجب أن تكون متساوية بقدر القدرة على التحمل)، وشدد على ضرورة إعادة النظر بموضوع الدعم حتى (لا يكون كفكرة اقتصاد السوق الاجتماعي الذي سحب منه المفهوم الاجتماعي، وحتى لا يكون التوجه لسحب الدعم برفع شعار إعادة توجيه الدعم).

كما أكد د.الحمصي أهمية الطاقة النووية والبدائل الأخرى لأمن الطاقي السوري، وبين أنه يمكن الاستفادة من سد الفرات كسد تخزيني تصل طاقته إلى ألف ميغا واط.

وأضاف: التمويل مشكلة كبيرة عانت منها الدولة قبل الأزمة، فسعت للشراكة مع القطاع الخاص، ولكن الأزمة لم تساعد على تفعيل الشراكة.

درويش: انخفاض في الإنتاج

وأشار عبدلله درويش، معاون وزير الموارد المائية، إلى أن عدم الاتفاق على خياراتنا الاقتصادية في السابق كان أحد أسباب الأزمة، إضافة إلى غياب مراكز الأبحاث التي تجمع على التوجهات الاقتصادية.

ولفت إلى أن سد الفرات يؤدي وظيفته كما يجب، ولكن انخفض إنتاجه الكهربائي بسبب تراجع الموارد المائية.

علي: إيجاد توازن

أما مدير المركز الوطني لبحوث الطاقة د.يونس علي فقال: لاشك أن ما يحصل يرتبط ارتباطاً مباشراً أو غير مباشر بالطاقة، لافتاً إلى منعكسات الأزمة على محور الطاقة، وأضاف: (نتحدث دائماً عن استراتيجية الطاقة ولكنها برمتها تستند إلى وجود العامل الأمني في المنطقة الجغرافية)، وشدد على ضرورة وضع خطط لكيفية الخروج من الأزمة.

وعن تمويل قطاع الطاقة رأى أن المشكلة ليست في تمويل البنى التحتية للطاقة، فيمكن ذلك عن طريق الشراكة مع الخاص، ولكن المشكلة هو إيجاد توازن لتغطية الفجوة في قطاع الطاقة بين تكلفة الإنتاج وتعرفة البيع، مبيناً أن كل 1 كلغ واط كهرباء يحتاج إلى ربع كلغ من النفط، وأن الواط الواحد يكلف الحكومة من 30-35 ليرة بينما تبيعه للمستهلك بـ2.5ليرة، لافتاً إلى أن70% من محطات الكهرباء تعمل على الغاز ولاسيما محطات المنطقة الجنوبية، عدم وصول الغاز من المنطقة الوسطى إلى محطات الكهرباء في المنطقة الجنوبية بغرض تغذيتها يقطع الكهرباء.وأكد ضرورة الاستفادة من الطاقات المتجددة وأكد أهمية وجود مزيج طاقي ومنها طاقة الرياح الواعدة والطاقة النووية وغيرها.

العدد 1140 - 22/01/2025