يوم الأرض وآثار الحرب على مفهوم الأرض
رغم أنه ليس هناك يوم واحد فقط للأرض بالنسبة للفلسطينيين تحديداً، بل كل الأيام هو يوم للأرض. إنما يوم الثلاثين من آذار يُعتَبَر يوماً يُحييه الفلسطينيون كل عام تأكيداً لتمسّكهم بالأرض وبقضيّتهم العادلة ضد المحتل الإسرائيلي حين قام هذا الأخير بمصادرة الأراضي ذات الملكية الخاصة الفلسطينية وضمن مناطق أغلبها من الفلسطينيين في عام ١٩٧٦. على أثر هذا، قام الفلسطينيون بإضراب عام ومسيرات في تلك المناطق وغيرها مما أسفر عن اشتباكات بين الفلسطينيين المُحتَجّين وقوات الاحتلال الإسرائيلية أدّى لاعتقال المئات من الفلسطينيين وإصابتهم وسقوط بعضهم شهداء. من هنا، اعتُبِر هذا اليوم يوماً محورياً للدفاع ليس فقط عن الأراضي التي تمّت مصادرتها من قِبل الاحتلال؛ لكن أيضاً لمفهوم الأرض والتشبّث بها وبالهوية والوطن ولرفض كل ممارسات الكيان الصهيوني وسياساته.
ولعلاقة المواطنين بالأرض التي تشكّل هويّتهم فلسطينيين وعرباً، تحوّل يوم الأرض إلى قضية لها خصوصيتها في إطار القضية العربية الإسرائيلية بشكل عام والفلسطينية بشكل خاص.
من هنا أيضاً، وفي ظلّ الحروب المشتعِلة في المنطقة اليوم، هل نستطيع أن نقول إنّ معنى الأرض ومفهومها بدأ يأخذ منحى مختلفاً وبعداً أعمق وأكبر؟ أم اضمحلّ مفهوم الأرض والتمسّك بها كوطن أولاً وكهوية ثانياً، لاسيما في المسألة أو الحرب السورية الحاصلة اليوم؟
إنّ التهجير القسري الحاصل في الكثير من المناطق السورية، والدفع نحو الهجرة والنزوح بأي وسيلة وإلى أي مكان، يُعتَبَر للسوريين انسلاخاً عن هويتهم الوطنية والقومية وعن أرضهم لاسيما أنها أيضاً حرب إقليمية على أرض سورية، فأكثر من 60% من الشعب السوري قد جرى تهجيره، عدا مقتل مئات الآلاف والمصابين أو من هم في المعتقلات. كما أنّ مساحة كبيرة من الأرض والبنى التحتية السورية دُمّرت، وأصبحت الأرض السورية أرضاً مُستَباحةً للقوى الإقليمية وكل المشتركين في هذه الحرب التي تضمّ جهات متعدّدة خارجية وداخلية ذات مصالح مشتركة. فالتنظيمات السياسية المتعددة الحالية في المسألة السورية أغلبها لا تحمل مشروعاً تنويرياً حقيقياً ينقل البلاد من هذه الحال إلى النهوض، ولا تحمل فكراً أو توجُّهاً فكرياً اجتماعياً نهضوياً أو سياسياً عصرياً يخدم الشعب والبلاد في هذا الوضع، ولا يمكن للتنظيمات الدينية ذات المشروع الطائفي أن يكون لها مكان في المجتمع اليوم، وهي قاصرة عن التعامل مع المجتمع والعالم أيضاً في كل مكان، وغير مقبولة في المجتمع السوري ذي المكوِّن التعددي، إذ تشكّل التعددية أحد أهم أركان الهوية السورية الوطنية والأرض السورية عامةً. فمفهوم الأرض لا يمكن أن ينفصل عن مفهوم الانتماء والهوية والوطن، وأيّ مشروع لا يخدم هذا التنصيف للأرض والوطن سيكون مشروعاً يعمل على التقسيم وهو ليس إلاّ مشروعاً تدميرياً لسورية شعباً ووطناً وحضارةً. إنّ المشروع القائم على العدالة الاجتماعية والمواطَنة والنّهضة العلمية والفكرية والاقتصادية، إضافة إلى الحقوق والحريات، هذا المشروع هو ما يمكن أن ينهض بالبلاد ويُعيد مفهوم الأرض إلى معناه الوطني والهوياتي الحقيقي.
في ذكرى يوم الأرض الفلسطيني، هذا اليوم يعنيناً أيضاً كسوريين مؤمنين بحق الفلسطينيين وقضيّتهم، ويعنينا أيضاً لنطالب بإعادة التركيز على أهمية الأرض والانتماء والهوية في ظلّ هذه الحروب التي أطاحَت بسورية وشعبها، وغيّرَتْ بمعالم خريطتها الحضارية التي لن تسقط رغم استهداف إسقاطها.