هل من تحرك؟ الثروة الشجرية مهددة بنار التدفئة على الحطب!
تقول القاعدة المعروفة: (لكل فعل رد فعل)، وبالطبع ردود الأفعال حيال عدم توفر مازوت التدفئة كانت كثيرة من قبل المواطنين.. فقد اتجه معظم المواطنين إلى البحث عن بدائل لتأمين الدفء لأسرهم خلال الشتاء، ولم تكن البدائل أفضل حالاً، بل كانت هي أيضاً مكلفة ومضرّة في الوقت نفسه.
المازوت الذي أُغرق في أزمة حقيقية خلال هذا الشتاء، والذي كان تأمينه سابقاً ممكناً لدى معظم المواطنين، سواء كان فقيراً أو غنياً، أصبح حالياً للمقتدرين مادياً فقط وخاصة بعد رفع سعره، فخزانات المازوت في المنازل خاوية على عروشها، وأصبحت (تصفر)، لأنها فارغة ولم تمتلئ، لا لعدم توفر المازوت وحسب، بل أيضاً لارتفاع سعره.. فليس من السهل على أي مواطن، وخاصة ذوي الدخل المحدود شراء مازوت لحرقه في المدفأة والحصول على الدفء، فهو مكلف للغاية ويصل سعر الليتر في السوق السوداء إلى نحو 230 ليرة.. أما في السوق النظامي فيصل سعره إلى نحو 140 ليرة لليتر، وبالطبع فمن أراد أن ينعم بدفء المازوت، فهو غير قادر على تعبئة خزانه، بل يكتفي بشراء كميات قليلة منه، وفي أفضل الأحوال 20 ليتراً لا أكثر، حتى ثمن هذه الكمية كبير بالنسبة إلى دخله.
الاحتطاب يهدد الأشجار حتى المزورعة على الطرقات
أحد ردود الفعل من معظم المواطنين منذ بدء الشتاء أنهم توجهوا إلى الحطب، وطرحت في الأسواق مدافئ الحطب التي اختلفت أنواعها وأسعارها، حتى وصل سعر بعض مدافئ الحطب إلى أكثر من 100 ألف ليرة حسب نوعيتها، ولكن المدفأة الشعبية يتراوح سعرها ما بين 2500 ليرة و3500 ليرة، وزاد الإقبال على هذه المدافئ، ولكن هذه المدافئ لا يمكن أن تعمل على الهواء، بل تحتاج إلى وقود، ووقودها هو الحطب، وهنا باتت المشكلة جلية وخطرة كثيراً ويجب عدم التساهل بها.. فلدى السير في بعض الطرقات ستفاجأ بمشاهد تعتبر جديدة وغير مألوفة للعين، فكما ذكرنا في أول الحديث أن لكل فعل رد فعل، فقد باتت الأشجار المزروعة على الطرقات مستباحة للباحثين عن الحطب ولتجار الحطب أيضاً، فما من شجرة إلا وتجدها مكسورة أو مبتورة أو (مشلوعة) من جذورها، الأمر الذي يعطي مؤشراً على أن التدفئة على الحطب أصبحت تشكل تهديداً واضحاً للبيئة بل، وللثروة الشجرية في سائر المناطق.. ففي بعض مناطق ريف دمشق الآمنة تجد هذا المشهد على الطرقات الرئيسة، حتى باتت مقصداً لكل باحث عن الدفء بل ولكل متاجر ومستغل لحاجات الآخرين، فهل يعقل أن تصل الأمور إلى هذه الحدود وأن يصبح التعدي على الأشجار المزروعة على أطراف الطرقات العامة مألوفاً؟
الحطب مغشوش.. والزيتون لم يسلم أيضاً
بالطبع المواطن المحتاج لا يلام على ذلك بعد أن أصبح سعر كيلو الحطب نحو 70 ليرة وهو أخضر ومغشوش، فقد بات تجار الحطب يغشونه بإشباعه بالماء لزيادة وزنه وتحقيق أرباح أكثر على حساب المواطن، وعدا أن الحطب أخضر فهو مرتفع الثمن بل يحتاج إلى مازوت لإشعاله، وعدا ذلك كله، ترى مواطنين يبحثون عن قصاصات الأقمشة والأوراق لحرقها ولمساعدة هذه الأخشاب على الاشتعال.. وإن سألت بائع حطب عن ارتفاع السعر يقول لك: (هذه حطب زيتون! وشايف حالو)، فهو يعترف بأنه حطب زيتون، أي أن أشجار الزيتون أيضاً لم تسلم، حتى بات السطو على المزارع وسرقة أشجارها أمراً اعتيادياً، وقد يفاجأ صاحب مزرعة أن يأتي يوم ولا يجد شجرة فيها، لأن أشجاره أصبحت لدى بائعي الحطب وتجاره.
هذه الظاهرة باتت واضحة المعالم حالياً نتيجة عدم توفر مازوت التدفئة خلال هذا الشتاء، ونتيجة ارتفاع أسعاره وانتشار الفساد في توزيعه، وضعف الرقابة عليه، فكيف هو الحال خلال الشتاء القادم؟ وهل سيبقى أشجار لتقطيعها وتحويلها إلى حطب وبيعها؟..
أحد المواطنين ذكر أنه سيقوم بتخزين الحطب في الصيف القادم تحسباً للشتاء القادم، أي أنه سيخزن وفق قوله نحو 3 أطنان من الحطب لكي لا يتعرض للابتزاز من قبل تجار الحطب في الشتاء القادم، ولكي يبعد نفسه عن أساليب الغش، وبالطبع كمية 3 أطنان من الحطب ليست قليلة لمواطن واحد، فكيف هو الحال بالنسبة لبقية المواطنين الذين اتخذوا الحطب ملجأ لهم للحصول على الدفء؟ نعتقد أن الرقم يعتبر كبيراً وربما يحتاج إلى غابات شاسعة المساحات لتلبية الطلب، رغم عدم جدواه كثيراً في التدفئة، فهذا مؤشر يجب أخذه في الحسبان من قبل الجهات المسؤولة عن حماية القطاع الزراعي والثروة النباتية، ومن جهة أخرى فهو مؤشر خطير إلى تدهور البيئة أيضاً.
ماذا عن البيئة والصحة؟
وبالحديث عن البيئة وتأثير الاحتطاب عليها، فالحديث يطول، فقد باتت الأمراض التنفسية هي الأكثر شيوعاً بين المواطنين الذين يعتمدون على الحطب.. ولا ننسى حادثة الاختناق التي حدثت سابقاً نتيجة التدفئة على الحطب، وإن سألت أحد الأطباء عن سبب انتشار السعال وضيق التنفس، فسيقول لك بكل بساطة: (التدفئة على الحطب سببت هذه الأمراض)، ولا يقتصر الأمر على المواطنين الذين يتدفؤون على الحطب وحسب، بل يشمل أيضاً البيئة بشكل عام، فأصبح المواطن الذي يسير في الشارع يحتاج إلى كمامة لكي لا يتنفس روائح ودخان الحطب المتصاعد من المداخن، وخاصة في الليل وساعات الصباح المبكر، وبات الصباح حتى في الأرياف لا يتسم بنقاء نسماته، بل بعكارتها ورائحتها غير المعقولة.
هل ستبقى أشجار للشتاء القادم؟
ما نود تأكيده في نهاية الحديث أن توجّه المواطن إلى الحطب للحصول على الدفء جاء نتيجة مقدمات أهمها ارتفاع سعر المازوت، وعدم توفره، وتحكم السوق السوداء فيه، وهذه الأسباب أدت إلى هذه النتائج الخطيرة التي يجب على الحكومة التحرك لمعالجتها وإيجاد طريقة ما للحد من انتشار التدفئة على الحطب، لما تشكله من تهديد حقيقي للثروة النباتية وللبيئة وللصحة أيضاً، ومن ذلك توزيع مازوت على الأسر المحدودة الدخل بسعر مدعوم ومخفض وبكميات كافية.. ونعود ونكرر السؤال: في حال عدم التحرك لمعالجة هذا الأمر، هل ستبقى أشجار للشتاء القادم للتدفئة، أم أنها ستكون ضحية تجار الحطب؟