الغزو من الخارج.. والتخريب من الداخل
دخل العدوان السعودي على اليمن يومه الحادي والثلاثين، رغم الإعلان (الإعلامي) عن وقف العمليات العسكرية من قبل الجانب السعودي، الذي اقترن بموجة من الأكاذيب الصارخة عن أن هذا العدوان قد حقق أهدافه، تحت سمع وبصر العالم بأسره، الشاهد على أن ما تحقق ليس أكثر من تدمير المستشفيات والبيوت ومعامل الأغذية وحليب الأطفال وباقي البنى التحتية الضعيفة أصلاً وبعض المواقع العسكرية.
وإذا كان هذا النفاق السعودي مفهوماً بالنظر إلى التناقضات الداخلية التي تنخر جسد العائلة السعودية المالكة التي أوصلت البلاد العربية ومنطقة الخليج على وجه الخصوص إلى هذا الدرك من التأزم والتردي والتفكك، فإنه لن يفعل شيئاً سوى إحداث المزيد من الاهتراء في قلب هذه العائلة التي يبدو أن بعض المتنفذين الجدد في داخلها قد رهنوا مصيرهم بمصير النتائج العسكرية لهذه الغزوة التي لا يبدو لها قاع لتستقر فيه، ودون أن يبدأ الرد العسكري من جانب اللجان الشعبية والجيش اليمني، فلا دليل واحداً حتى الآن يوحي بتحقيق الأهداف العدوانية لهذه الحملة التي تجردت من كل إحساس إنساني، باستثناء تزايد عدد الشهداء والضحايا والمهجرين، وتسجيل أرقام جديدة في أعدادهم كل يوم.
ومهما تعددت توقعات الربح والخسارة في هذه الغزوة، فلم يجرؤ أي مصدر حتى الآن على توقع النجاح لها، ليس عسكرياً فقط بل سياسياً على الأخص. فقد فشلت هذه العائلة في كسب ما يسمى بالمجتمع الدولي ودفعه إلى الانجرار التام وراءها، واضطرت الولايات المتحدة للمناداة بالحل السياسي، كما أنها أصيبت بطعنة أليمة نتيجة الموقفين المصري والباكستاني اللذين امتنعا عن المشاركة في الغزو البري لأرض اليمن، وفشل السعوديون كذلك في تصديع الجبهة السياسية الداخلية في اليمن، وبدأت ملامح الاضطراب الداخلي في صفوفهم.
الخيار الذي لجأت إليه المملكة للتعويض عن مأزقها في اليمن كان تأجيج نار حقدها على سورية، وحشد أقصى إمكاناتها في سبيل تحقيق مكسب عسكري فيها يغطي أصداء هزيمتها في اليمن من ناحية، ويحاول تعديل ميزان القوى لصالح المجموعات الإرهابية في سورية من ناحية أخرى، فكانت عملية السيطرة على إدلب، وتبع ذلك غزو جسر الشغور، والمجازر البشعة التي راح ضحيتها عشرات الشهداء من سكانها المدنيين في يوم واحد. ولم يكن ذلك ليحصل لولا التدخل المسلح الذي نفذه ألوف المسلحين المرتزقة بمساندة ودعم من الجيش التركي، الذي أجمعت كل المصادر على اعتباره هو العنصر الحاسم والفاصل في الوصول إلى هذه النتيجة المؤلمة، التي لن تثني جيشنا وشعبنا عن استعادة هذه المحافظة الغالية، مثلها مثل بعض المحافظات والمواقع السورية الأخرى التي يسيطر عليها الإرهابيون.
إن هذا التمدد الإرهابي هو إحدى نتائج تفعيل التحالف التركي – السعودي – القطري المساند أمريكياً وأطلسياً، الذي تنظر إليه السعودية من زاوية توطيد نفوذها في المنطقة العربية، واستعادة هيبتها التي اهتزت في اليمن، كما ينظر إليه النظام التركي من زاوية الإمساك بقوى المعارضة السورية المسلحة، وتحسين أوضاعها، على أبواب المساعي السياسية السلمية التي تنتقل من بعثة (ديمستورا) إلى موسكو 1 وموسكو 2 إلى جنيف ،3 دون أن تحقق حتى الآن أي تقدم جوهري ملموس، بسبب السياسة الأمريكية ذات الوجهين واللونين والتي تعد، بحق، أصل البلاء والشرور لا في منطقتنا فحسب، بل وفي العالم بأسره.
إن دخول إسرائيل على خط الصراع الدائر في المنطقة بشكل مكشوف وصريح، هو تعبير عن انتقال الصراع إلى مرحلة متطورة وخطيرة، ذلك أن غرفة العمليات المشتركة التي تضم السعودية والأردن والولايات المتحدة، ويديرها قادة مخابرات هذه الدول، قد ضمت إليها إسرائيل فعلاً وبمشاركة الفصائل الإرهابية المسلحة التي تنشط في محافظتي درعا والسويداء، والتي تهدف إلى صنع كماشة تطبق على الدولة السورية من الشمال والجنوب.
إن الأيام القادمة صعبة للغاية، إذ ستتكثف فيها هجمات الإرهابيين من كل شاكلة ولون، ويجري توجيه الإرهابيين في أنحاء العالم للتوجه إلى سورية.
إن قرار سورية هو الصمود ومواجهة الغزو الإرهابي دفاعاً عن قرارها الوطني المستقل، وعليها في الوقت ذاته إنجاح المساعي السلمية، التي يجب أن توقف سفك الدم السوري وتعيد الأمن والاستقرار لبلدنا وشعبنا، فلكي نكون بكامل أهليتنا وقدرتنا على مواجهة تحديات الغزو المسلح، وتحديات الحل السياسي، ينبغي أن نعيد قراءة وضعنا الداخلي على نحو أفضل. إن من جملة مراهنات العدو المسلح تفكيك جبهتنا الداخلية، فهو أقصر الطرق نحو تحقيق غاياته، ولا يكفي في هذا المجال، أن يعترف هذا المسؤول أو ذاك، بنواحي التقصير، بل لابد من اقتران القول بالفعل، فما هي التدابير المتخذة لوضع حد لتجار الأزمات والحروب الذين يحتكرون استيراد المواد ويتصرفون على هواهم في توزيعها الداخلي ويتلاعبون بأسعارها إلى حد خيالي؟ وهل اهتم أحد بالتجاوزات الأمنية ومنها توقيف المواطنين على أساس تقارير كيدية، وانتشار عصابات الخطف والسرقة وغير ذلك؟! وماذا فعلت الحكومة مثلاً في مجال مكافحة الفساد الذي يستشري في كل حدب وصوب، ويتجاوز الخطوط الحمر؟ وماذا فعلت لوقف تدهور قيمة الليرة السورية؟
ومع تأكيدنا خطورة تداعيات الحصار الظالم، نرى أن الأهم هو أن يلمس الشعب لمس اليد أن شيئاً ما يتغير ويتطور نحو الأفضل، وأن تتوسع دائرة مشاركته في القرار عبر الأحزاب السياسية والإعلام الوطني الحر وهيئات المجتمع الأهلية والمدنية، وعقد الحوار الوطني الواسع ليشمل الجميع، باستثناء من استدعى الأجنبي للتدخل ومن فرّط بالوطن وسيادته ووحدة أراضيه.
إن الهجمة على سورية كبيرة، وعلينا جميعاً أن نرتقي إلى مستوى تحدياتها.