نظرية الثقوب
تاريخ الثقوب وليس تاريخ الشعوب قديم جداً، ظهر مع ظهور الإنسان في المرحلة المشاعية، ومن يتصور غير ذلك فعليه العودة إلى كارل ماركس ويقرأ قوانين تطور المجتمعات البشرية.
يتساءل شخص ما: كيف تذكَّر كاتب هذه الزاوية هذه النظرية المنسية التي لم يعد أحد يذكرها؟ألا يعلم صاحب السؤال أنَّ حلماً متغطرساً سلّطّ غضبه وبعثر التأملات الجميلة، وأخرجها من رأسه وأزعجه في ليلة قارسة البرودة،فبرزت نظرية الثقوب بسرعة، خاصة إذا كان هذا الشخص من المتابعين الدؤوبين للرصد الجوي ولمتنبئ الطقس الذي حذَّر الناس من قدوم منخفض جوي وصفه علماء المناخ ب (المنخفض الإمبريالي) القادم من القطب.
تذكرت شخصاً في مطلع سبعينيات القرن الماضي أطلق نظرية (ثقب حلق ماركس).. وحتى يومنا هذا حينما يجتمع الأصدقاء الذين اجتازوا عتبة العقد السادس، يتذكرون صاحب هذه النظرية جيداً. وفي العقد الثامن من ذاك القرن نفسه انتشرت نظرية الثقوب كانتشار النار في الهشيم، في ظلّ أزمة اقتصادية خانقة وأجور متدنية، فقد كان من يبحث عن كيلو بندورة أو علبة محارم ورقية، كمن يبحث عن إبرة في مياه بحر العرب..! ومن شدة ازدحام حافلات النقل الداخلي كانت أكياس الخضار تثقب من كثرة الأسئلة: من أين لك هذا؟ ومن أي مؤسسة ابتعت الخيار والبندورة؟ وفي أحايين كثيرة تتحول البندورة إلى عصير يتطاير على ثياب الناس ووجوههم..!
وما يغبط قلوب الناس ويشد أواصر الفرح والسعادة أن دفاتر العائلة المكلفة بمهمة المواد التموينية، كانت تثقب عند التوزيع وتتحول إلى خريطة كاملة الحدود البرية والبحرية.
وما تزال نظرية الثقوب سارية المفعول في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.. وبينما كنت في عاشر حلم بعد غداء دسم من تموين (الإعاشة)، أتقلّب على السرير ويتعالى شخيري نهضت كالمجنون فزعاً على صوت مطرقة جاري، الذي كان يثقب تنكة نزعها من علبة السمنة.. وعلمت أنه سيغطي فَتْحَة مدفأة المازوت لتحويلها إلى مدفأة عليالحطب..!
تستعيد نظرية الثقوب قوتها وتتربَّع على شرفات البيوت.. رحل صاحبها وبقيت تتألَّق وتتمايل بغنج كعروس في يوم زفافها وترفع عنقها بشموخ في الأزمات خاصة.. ففي عام 67 ثقب المذيع أحمد سعيد في (صوت العرب) أغشية آذان الملايين وهو يصرخ ويعلن عن ساعة الانتصار على أعداء الأمة العربية. وثقب رصاص التكفيريين والإرهابيين أجساد ألوف المواطنين المترافقة مع صيحات التكبير..!
وعدا ذلك…. فسائقو السرافيس وسيارات الأجرة حفروا في رؤوس الناس عبارات، (عدم توفر المازوت ومضاعفة سعر الليتر أكثر من ثلاث مرات) وثقبوا أدمغتهم وهم يرددون: (هناك من لم يدفع الأجرة..؟!). وفي مقابل هذا الصراخ لم تتوقف نظرية الثقوب عن ممارسة قهر المواطنين واضطهادهم وعدم تأمين أسطوانات الغاز.. وكثيرون عادوا من معركة الأسطوانات خائبين يسدّون أذانهم بأكفّهم ويجرّون أسطواناتهم التي تملأ الفضاء صراخاً ووجعاً. وما زال البحث مستمراً ولن يتوقف ما دامت الروح خفّاقة، وقادرة أن تبني أحلام اليقظة في أعشاش من أوراق الأشجار في خريف الأزمة التي تشمخ طولاً وتمتدّ عرضاً.. ولن يحلّها ويفككها إلاَّ شعبنا الصابر وجيشنا الباسل الذي يطارد المسلحين غزاة التكفير، وأصحاب العقول الملبدة بغيوم القتل والذبح والتخريب والعمالة المكشوفة للدولار والريال…!