يوميات كهربائية
رغم المعونات التي يحصل عليها معظم المواطنين من الهلال السوري والجمعيات بأسمائها وتسمياتها المختلفة، ومن الكنائس والمساجد ومن الهلال الأحمر والدول الصديقة والأمم المتحدة وغيرها.. من الزيت النباتي والمواد الناشفة والمربيات والزعتر و.. و، ورغم غنى البقوليات بالبروتينات والمحليات من مربّى المشمش والكرز.. وأكياس الأرز والسكر والمعكرونة، فالعيادات العينية تزدحم بالناس من الكبار والصغار والصبايا والمراهقين والأكثرية الساحقة من الفقراء والكادحين.. ومن هم تحت خط الفقر بعشر درجات، أصيبوا بمرض (احمرار العيون)، وفُقِدت القَطْرات من الصيدليات من النوع الذي يزيل الاحمرار ويغسل سواد العيون وبياضها، مع الاحتفاظ بألوانها وذلك للحفاظ على جمالها..! وأثبت أطباء العيون أن عدم انتظام التيار الكهربائي وازدياد عدد ساعات التقنين التي تصل أحياناً إلى اثنتي عشرة ساعة و (طبشة) هو السبب في العشا الليلي.
حاولت امرأة حريصة على عيون أولادها، أن تخصص دفتراً لقياس ضغط التيار ثلاث مرات في اليوم حسب وصية الطبيب، وذلك لإعطاء القطرة المناسبة ومراقبة مواعيد فترات التقنين، وعدم وجود أي خلل يحدث أثناء تشغيل الغسالة وكي الثياب وشحن البطارية والموبايلات والشواحن الاحتياطية.. وغيرها من أدوات غير ترفيهية.
وأبرز الحوادث أيضاً ظهرت في البنايات الطابقية العالية والأبراج، خاصة إذا كان من يسكنها عائلات فيها كبار السن، ومن المصابين بأمراض القلب والسكّري والقصور الكلوي، فهؤلاء ينزلون صباحاً بالمصاعد إلى أعمالهم أو وظائفهم قبل انقطاع التيار الكهربائي.. وقبل عودتهم إلى منازلهم يجرون اتصالات على الهواتف الأرضية والجوالات بزوجاتهم أو أبنائهم ليطمئنوا على أن المصاعد تعمل .. ويسألون – لعدم ثقتهم بدقة مواعيد التقنين التي تتغير أحياناً في اليوم الواحد مرتين – عن عودة التيار كي يعودوا مرتاحين .. فيشكرون ويحمدون.. ويقولون: (متى تعود سورية إلى السلام والأمان..؟).
حفظ المواطنون دروس الأزمة بشكل جيد وجيد جداً وهناك من نال درجة الامتياز.. وعرفوا أن السبب هو عدم توفر (الفيول) والمازوت والغاز.. واستعدَّ كثيرون لفصل الشتاء بأن حوّلوا مدافئ المازوت إلى الحطب. وعندما تضاعف ثمن طن الحطب ثلاث أو أربع مرات تحوّلوا إلى الفحم.. وفعلاً بدأ الفحم يغزو السوق وبدأت أسعاره ترتفع تدريجياً..!
وهل يصدّق كائن بشري أن ثمن المدفأة بين 17 و 20 ألف ليرة سورية.. وأن مدفأة الحطب التي كانت تساوي ألفي ليرة ارتفعت بعد أسبوع إلى 6000 ليرة..؟!
المواطن الذي تحمَّل هذه المعاناة، وهو يرى بعينيه السرقات والفساد والرشا ونهب مؤسسات قطاع الدولة.. يقول (ليس باليد حيلة… الكلام .. وكثرة الحكي لا يجديان.. ولا يقدمان أو يؤخران!؟..).. ومما يحزن ويزيد ألم الحاضر والخوف من المستقبل، مناظر الناس وهم يركضون خلف سيارات أسطوانات الغاز، وكذلك ما يخدش الحياء من المسبات والشتائم والشجارات وأحياناً الضرب وإسالة الدماء…!
المعنيون بتأمين حاجات المواطنين ومراقبة الأسواق عليهم أن يراقبوا المراقبين أيضاً..! هؤلاء الفاسدون منهم وليس الشرفاء طبعاً، الذين يملؤون جيوبهم ويعودون مغتبطين إلى بيوتهم في ظروف أزمة متفاقمة هم المسؤولون أولاً، خاصة عن تأمين الحاجات الضرورية للمواطنين، مع الحفاظ على أسعارها التي حددتها الحكومة كحد أدنى .. وإذا تُرِكَ الجشعون والفاسدون وتجار الأزمات وحيتان المال والنهَّابون والمرتزقة والانتهازيون دون حساب، فالأضرار في نهاية الأمر يتحمَّلها المواطنون الفقراء الذين لا حول… ولا..!
لقد امتلأ دفتر يوميات كهربائية.. وأغلق، ووضع في أحد الأدراج.. وهناك أكثر من احتمال لفتح دفاتر أخرى ليوميات الغاز والمازوت والماء وحافلات النقل الداخلي والسرافيس وسيارات التكسي .. ودفاتر للذين لا يقنعون ولا يشبعون ويفرغون ما تبقى في جيوب المواطنين…!