السنة الشرقية تراث حفظه السوريون
تعنّ بالبال كنوز زمن عابق بالأصالة نسجت المحبة من أيامه شالات من ذهب ومن لياليه قمصاناً من زمرد، ليبقى التواضع أصلاً وسيداً لحضارة تركت في وجداننا أبجدية إنسانيتها، في كل عيد سوري يضج بالفرح ويعلن البداية لسمفونية حياة جديدة، مثل رأس السنة الشرقية التي مازال يحتفل بها السوريون في الساحل السوري ويلونون ليل 14 كانون الثاني بالفرح والأهازيج استقبالاً للعام الجديد وفق التقويم الشرقي.
كثيرٌ منا يجهل معلومات هذا التقويم الذي يعتبر أساساً لدى السوريين القدماء، وحتى اليوم يعتبره البعض مهماً وخصوصاً المزارعين الذين تبدأ سنتهم الزراعية وفقه، وكثير من القيل والقال حوله وأغلب ما نقرأه يمكن أن يكون مغلوطاً، وفي هذه السطور نفرد حديثنا عن أصول التقويم الشرقي والمراحل التي مرّ بها.
التقويم اليولياني الشرقي القديم بدأ تطبيقه في عهد الإمبراطور الروماني يوليوس قيصر سنة 46 ق. م وحلّ بديلاً من التقويم الروماني القديم السائدً منذ تأسيس روما سنة 743 ق.م، وظل التقويم اليولياني معمولاً به في عهد الإمبراطور البيزنطي قسطنطين الأول وتبنّي النصرانية ديناً رسمياً، واستمرّ ذلك التقويم سائداً رغم انفصال الكنيستين: بيزنطية وروما عام 1054م في عهد بطريرك القسطنطينية ميخائيل كبورولاروس (1043-1059م) حتى إعلان التقويم الغربي الجديد سنة 1582م.
وحسب التقويم اليولياني القديم فإن طول السنة الشمسية فيه 25,365 يوماً، وكان أول شهور السنة آذار(مارس) وأقصرها هو شباط (فبراير): 28 يوماً يضاف إليه يوم واحد عبارة عن جمع كسور الأرباع الأربعة كل أربع سنوات فيصبح شباط (29) يوماً بما يعرف بالسنة الكبيسة (366يوماً) التي تقبل القسمة على (4)، وشهر يوليو- تموز نسبة ليوليوس قيصر وأغسطس – آب نسبة لأُغتافيوس قيصر، وهذا التقويم تتبعه الكنيسة الشرقية الأرثوذوكسية التي تعتمد اللغة الإغريقية اليونانية.
في سورية ما زالت بعض الأقليات تحتفل به حتى اليوم خصوصاً في جبال اللاذقية والمدن الساحلية ويسمى (القوزلة). وقوزلة لها عدة معانٍ تاريخية ففي الآرامية تعني البداية، وفي الآشورية إشعال النار، وعند الحضارة الأوغاريتية تعني كأس الإله آيل الذي يرفع له. كل رأس سنة شرقية والسوريون بألف خير بحضارتهم وتراثهم الجميل والغني بقيم المحبة السامية.