ماذا نريد من الدراما السورية؟

سواء في السبعينيات أو الثمانينيات أو التسعينيات من القرن الماضي ومابعد ذلك لم تتغير قيم المجتمع السوري، وظلت هي هي، بل تعمقت هذه القيم وتبلورت وارتقت صعوداً مع المجتمع السوري.

لنقدم مثالاً.. العمل الدرامي (انتظار) الذي طرح قضية العشوائيات والفقر والاختلاف الفكري أبقى على النسيج النقي للمجتمع السوري رغم التطرق إلى الخلل الذي يطرأ على حالة معينة وتحول الأنثى من فتاة نقية إلى فتاة ليل تضطرها الظروف لهذا العمل غير الشريف، لكن تبقى تلك الخامة النظيفة التي تعود إلى تربتها الحقيقية.

أما أن نتحول إلى مجتمع متفسخ لايصور إلا سلبيات المجتمع الذكوري والأنثوي ولانفكر إلا كتفكير فتاة الليل التي تغوي وترضي الشباب فقط.. فذلك قمة الانحدار نحو الدرك الأسفل للدراما..

أما (ضبوا الشناتي) فقد دخل إلى عمق المعاناة وصوّرها تصويراً درامياً فكاهياً مقنعاً رغم كل المأساة والآلام، لكنه كان مرآة تعكس صورنا بشكل لطيف ويوضح معاناتنا وقهرنا وصمتنا وبؤسنا ببسمة.

لهذا كان (سنعود بعد قليل) عودة بنا إلى الجفاء أكثر فأكثر. كنا نتمنى أن يعود بنا إلى الرباط الأسروي الحقيقي القوي رغم معظم الإضاءات التي قدمها عن الخلل التربوي والجفاء بين الأبناء نتيجة غربة داخلية وغربة روحية.

أما (الحب كله) (القربان) (بقعة ضوء) و.. إلخ فقد صورت المعاناة، لكنها لم تقدم الإنسان السوري ببساطته وعفويته التي تعودناها.. إلا بصيغة الفنان الذي ينوب عنه ليقدم معاناته.

إن الأخطاء التي نقع فيها ونحاول أن نرممها صعب أن نحصيها بعمل أو أكثر. غداً أو اليوم أو بعده كانت الدراما ولم تزل هي المرآة التي ننتظرها لتقدم لنا الصورة الأجمل لكل مانتعرض له.

مانريده من الدراما أن يكون العمل اندماجاً حقيقياً مع المعاناة السورية وأن يقدم لنا البؤر الحقيقية التي كانت ساكنة وتحركت خلال هذه الفترة وتغذت على مرحلة صعبة جداً وازدادت تضخماً وتخلفاً وتراجعاً.. على الرغم من قيام الكثير من الأعمال بتسليط الضوء على بقعة تزداد وضوحا لكن بشكل باهت، لهذا يجب أن يكون أقوى وأمضى، نردده يومياً ونعيد الحالة التي فرضتها الحياة اليومية لكل شخص. علينا أن نعترف بأن الأعمال أصبحت أكثر جرأة لكن بطريقة فجة جداً وقاتلة، وتجاوزت الخطوط الحمراء وزادت في تخطيها قتل البراءة التي نتسم بها.

علينا أن نقدم الصورة الحقيقية وندخل المجتمع في هذه المعاناة لأن الفن هو المجتمع الآخر الذي نستنسخه دون عيوب.

العدد 1140 - 22/01/2025