لماذا تهدد تركيا الأكراد في سورية؟

يُعتبر وصول (حزب الشعوب الديمقراطي) إلى البرلمان التركي تطوراً تاريخياً. إنها المرة الأولى التي تخطّى فيها حزب قومي كردي عتبة الـ 10% المطلوبة للانضمام إلى السلطة التشريعية. ومع ترشحه إلى جانب تحالف ليبرالي، حاز هذا الحزب على 80 مقعداً من أصل 550 مقعداً في البرلمان، وأصبح قوة لا يستهان بها. وقد يختلف المرء مع الأكراد اليوم، لكن لم يعد بإمكانه تجاهل سياساتهم. لقد كسب (حزب الشعوب الديمقراطي) أكثر من ضعف الرقم الأعلى الذي سجّله عبر ترشيح أشخاص مستقلّين عندما كان يُعرَف باسم (حزب السلام والديمقراطية). علاوةً على ذلك، تمكّن الحزب من استعادة التمثيل خارج المناطق الكردية، مثل أنقرة وإزمير واسطنبول. إن هذا التراجع لحزب العدالة والتنمية سوف يقيد سياسات أردوغان في سورية ويجعلها مشلولة، وهو ما أدركه الأكراد السوريين بشكل خاص واستثمروا فيه بشكل عملي مع استهلال التدخل الروسي في سورية.

عانت مدينة حلب الكثير من المصاعب والضغوطات بسبب حصار المجموعات المسلحة لها، وهذه المجموعات بغالبيتها إن لم تكن جميعها تتلقى دعماً تركياً. ومن المعروف أن حلب هي المدينة الفيصل في تحديد اتجاه العملية السياسية المرتقبة في سورية، وهي إن سقطت بيد المجموعات المسلحة فإن للدولة السورية وحلفاؤها خيارات محدودة في أي مفاوضات مقبلة لحل الأزمة. من هنا لاحظنا كيف أن الجيش السوري، بالتعاون مع الغطاء الجوي الروسي، قد فتح ثلاث جبهات في محيط مدينة حلب، الجبهة الشرقية نحو مطار كويرس، والجبهتين الجنوبية والجنوبية الغربية لتأمين الطريق الدولي دمشق-حمص، وعزل ريف محافظة إدلب عن ريف حلب. لكن استعادة الجيش السوري السيطرة على مدينة حلب بشكل نهائي لن يتم دون إغلاق الحدود التركية أمام الدعم اللوجستي الهائل من قبل الحكومة التركية. لقد فتح الجيش السوري مع بدء الضربات الجوية الروسية ثماني جبهات كبرى على مستوى الجغرافية السورية، ثلاث في حلب وواحدة في كل من شمال حماه وشمال اللاذقية وشمال حمص ومحيط الغوطة الشرقية. إن مهمة فتح الجيش السوري جبهتين جديدتين أخريين في شمال مدينة حلب وغربها، لقطع الإمدادات اللوجستية القادمة من تركيا إلى المسلحين، صعب للغاية إن لم يكن مستحيلاً.

من هنا يمكن أن نربط قصف الجيش التركي لمواقع (حزب الاتحاد الديمقراطي) في سورية نهاية الشهر الماضي. لقد أعلن صالح مسلم زعيم هذا الحزب لموقع المونيتور أن عناصر الحزب سيقاتلون جنباً إلى جنب مع كل من يقاتل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وكما يبدو من المشهد الميداني أن الذي يقاتل (تنظيم الدولة الإسلامية) هم الجيش السوري وحلفاؤه. وعملياً استعادة السيطرة على مدينة حلب بأكملها ومحيطها تتطلب فتح جبهتي شمال مدينة حلب وغربها، كما ذكرنا، وبالتالي يمكن أن يُعهد بهذه المهمة إلى الأكراد الذين يطمحون بشكل جدي تماماً إلى ربط إدارة الحكم الذاتي في تل أبيض بمدينة عفرين، وهذا ماترفضه تركيا رفضاً مطلقاً. ويبدو أن الأكراد السوريين بتعاون ضمني مع الجيش السوري يعملون جدياً نحو إنجاز هذا الربط، عندما نجحت قوات من (وحدات حماية الشعب الكردي) بعد معارك عنيفة ضد مسلحي المعارضة السورية، بقطع الطريق الوحيد الذي يربط مدينة حلب بتركيا عبر إعزاز في حي الشيخ مقصود قبل ساعات من بدء الضربات الجوية الروسية. كما كان لعناصر (حزب الاتحاد الديمقراطي) دور في منع سقوط مدينتي نبل والزهراء اللتين تحاصرهما فصائل المعارضة المسلحة. إن الحرية النسبية لحركة الأكراد في أخذ المبادرة في الميدان مردّها إلى ثقتهم بأن الغرب لا يمكنه التخلي عنهم مهما كانت الضغوط التركية على حلفائها الغربيين. إذ تعلم الولايات المتحدة أن أي حركة في الاتجاه الخاطئ من قبل حلف الناتو لإرضاء تركيا سوف تدفع (حزب الاتحاد الديمقراطي) إلى التحالف الوثيق والعلني مع الجيش السوري. كما أن الغرب على يقين كامل أن الأكراد، في ظل عدم التعاون مع الجيش السوري، هم الطرف الوحيد القادر على مواجهة تمدد (تنظيم الدولة الإسلامية) وتهديده لمصالح الغرب في المنطقة.

إن اقتراب تداعيات الانتخابات التركية والشلل الذي يمكن أن يصيب إدارة حزب العدالة والتنمية الحاكم نتيجتها، إضافة إلى التطورات العسكرية اليومية التي توحي بتقهقر نسبي لعناصر المجموعات المسلحة في حلب وريفها، قد يدفع الأكراد السوريين إلى انتهاز الفرصة والقيام بعمل عسكري في الجغرافية الفاصلة بين عفرين وتل أبيض، وهذا ما تتخوف منه تركيا، لذلك جاءت التهديدات المستمرة للأكراد السوريين بمثابة إنذار مُسبق من أي تصرف من هذا النوع.

العدد 1140 - 22/01/2025