كلمة الرفيق حنين نمر الأمين العام للحزب الشيوعي السوري الموحد في افتتاح المؤتمر

الرفيق حنين نمر في افتتاح المؤتمر :المهمة الأسـاسية الآن هي الدفـاع عن الوطن واسـتكمل القضاء على الإرهاب

ألقى الرفيق حنين نمر، الأمين العام للحزب الشيوعي السوري الموحد، كلمة في حفل افتتاح المؤتمر، هذا نصها:

من دمشق عاصمة الصمود العربي.. ومن قلب النار… ووسط الدمار وأنين الجرحى وعذابات المفقودين والأسرى.. تنبعث تحياتَنا إليكم رسُلَ الأحزاب والحركات الشيوعية العالمية والعربية والسورية، والترحيبٌ الأخوي الصادق موصول الى كل الحاضرين هنا ممثلي الأحزاب الحليفة: حزب البعث العربي الاشتراكي وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية والأحزاب الوطنية خارج الجبهة، ويسعدنا كثيراً أن يكون بينناالرفيق فالنتين سيرغيفتش شورجانوف

* نائب رئيس لجنة الإعلام في مجلس الدوما.

* منسق لجنة الاتصال بين البرلمانين الروسي والسوري.

* عضو هيئة رئاسة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في جمهورية روسيا الاتحادية.

الذي يمثل قيادة الحزب الشيوعي الروسي في حفل الافتتاح هذا، والذي جاء ليؤكد عمقَ العلاقات الرفاقية التي تربطنا بهذا الحزب المجيد، وريث حزب لينين العظيم، والتي كانت المساعدة الروسية التي قُدمّت لجيشنا الباسل خير تعبير عنها. مرحباً بالضيف العزيز، وتحية له وللشعب الروسي الصديق، وممثلي الهيئات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، ولكل من قال نعم لسورية الحبيبة، موئل الحضارات الإنسانية الضاربة في جذور التاريخ، وقلب العروبة الذي ينبض حباً بالحرية والاستقلال والوحدة والعدالة الاجتماعية.

إن حضوركم حفل افتتاح المؤتمر العام الثاني عشر لحزبنا الشيوعي السوري الموحد يعطي أعضاء حزبنا مزيداً من الأمل والتفاؤل والاعتزاز، فشكراً لكم ولحضوركم المهيب.

ويسرنا أن يتزامن عقد مؤتمرنا الثاني عشر مع حلول الذكرى الحادية والتسعين لتأسيس الحزب الشيوعي السوري، الذي تخّرج في مدرسته عدة أجيال نمت وترعرعت في مناخ النضال الوطني ضد الاحتلال الاستعماري، ومن أجل خلق وعي تقدمي اشتراكي، وتحقيق المطالب النقابية والاجتماعية والديمقراطية، وهو أول حزب بلور الأهداف الأساسية للحركة الوطنية السورية المتمثلة بالأهداف الوطنية، والاجتماعية والديمقراطية، لذلك، كان الحزب ومايزال، حزب الجلاء وحزب الخبز، وحزب الحريات. ولم يضّيع العلاقة الجدلية المتبادلة بين هذه الأهداف، كما لم يفقد البوصلة يوماً، في إعطاء الأولوية للتناقض الأساسي والمركزي في كل مرحلة من المراحل.

منذ تأسيسه اعتبر الحزب أن التحالفات هي ركن أساسي من أركان نشاطه، ودفع أثماناً باهظة في مراحل عدة لتوضيح مواقفه وللاستمرار في تحالفاته، رغم ما كان يشوبها من تعقيدات في بعض الأحيان. ولعب دوراً كبيراً في نشر الوعي الأممي بين الشعوب، وأظهر الطابع المنسجم والمتكامل بين كل من الوطنية والقومية من جهة، والأممية من جهة أخرى، فمن لا يكون وطنياً جيداً لا يمكن أن يكون أممياً جيداً والعكس صحيح.

تعرض الحزب للاضطهاد الشديد وزُجّ بكوادره وأعضائه في السجون، واستشهد العديد من الرفاق على أيدي جلاوزة أجهزة الأمن، وما تنكّس علم الحزب وما لانت عزيمة أعضائه، بل بقيت رايته مرفوعة حتى اليوم وستبقى.

لقد أظهرت المراحل التاريخية التي مرّ بها الحزب في ظل بقائه وانتشاره المطرد أنه حاجة موضوعية للبلاد، وأنه السلاح الماضي بيد الطبقة العاملة والجماهير الكادحة في نضالها ضد الظلم، ومن أجل العدالة الاجتماعية والاشتراكية، وهو المدافع الأمين عن وحدة البلاد واستقلالها وحرمة علمها، كما أنه أداة بين المثقفين والتنويريين ضد الفكر الظلامي الرجعي الأسود، وقد ناله ما نال من تضحيات واغتيالات على يد الإخوان المسلمين وسائر القوى المتخلفة الإرهابية، وهو المصمم على خوض المعارك المقبلة ضد من زيّف الوعي لدى قطاعات واسعة من الناس، وعلى إظهار الوعي الوطني والطبقي الصحيح، وحشد كل القوى المتنورة والعلمانية في جبهة واحدة ضد الفكر الإرهابي والتكفيري.

إن حزباً كهذا هو ما تحتاج إليه البلاد..، حزبٌ قادر على صياغة التحالفات المتطورة بأساليب جديدة، وقادر أيضاً على التوجه نحو الشباب والنساء ورفع سوية نشاطه في هذا المجال.

أيها الحضور الكريم

إن انعقاد مؤتمر حزبنا الثاني عشر، يأتي في أشد وأصعب الظروف التي مرت بتاريخ سوريا، إن لم نقل بتاريخ معظم دول العالم في العصر الحديث، ومن كل الزوايا، السياسية والأمنية والعسكرية والإنسانية والاقتصادية والاجتماعية. وهي ظروف لابد أن تخلق نوعاً من القيود أمام ممارسة الأفراد والجماعات لحياتهم الطبيعية.

وتفرض عليهم أحكاماً استثنائية، وهو ما لجأنا إليه لمواجهة الظروف الاستثنائية القاهرة التي نعيشها اليوم، والتي لا نستطيع التحكم بها مادامت الحرب العدوانية على بلادنا قائمة. وهكذا لم يتمكن عدد من الرفاق المندوبين، المنتخبين من مؤتمرات منظماتهم، من حضور هذا المؤتمر، بسبب الأعمال الإرهابية القائمة في عدد من المحافظات السورية، وقد اتخذنا القرارات اللازمة للحفاظ على حقوقهم كمندوبين في المؤتمر، بما يتفق مع ضرورة صمودهم أمام الإرهاب، فتحية لهؤلاء الرفاق الذين يبدون كل شجاعة من أجل وطنهم وحزبهم.

أيها الحضور الكريم

منذ انعقاد المؤتمر الحادي عشر للحزب في آذار عام2011 والبلاد تعيش حالة من الاضطراب والفوضى والقتل والذبح وتدمير المنشآت العامة والخاصة والبنى التحتية والمستشفيات والمدارس والطرقات والاتصالات، إنها باختصار حالة من الجنون الإجرامي، لعصابات من المرتزقة القادمين من الخارج والمتسللين بشكل رئيسي من تركيا، والمدعومين مالياً من السعودية، والمؤيدين عسكرياً وسياسياً من أمريكا وأوربا الغربية. جهلة ومهووسون وأصحاب عقول مغسولة لاتشبه البشر، تهوى ذبح الناس وقطع رؤوسهم وأكل أكبادهم وإحراقهم أحياء. وعقوبات اقتصادية من الغرب، وحصار وتجويع يتلذذ به الغرب ضد الشعب السوري دعماً للإرهابيين الحاصلين على بركة دول الحضارة الرأسمالية المزيفة.

لقد حدد كل ذلك في إطار المخطط العام للمشروع الأمريكي الرامي إلى تفتيت دول المنطقة وتحويلها إلى دويلات مسخ تحاكي الكيان العنصري الإسرائيلي، وتكون خاضعة بشكل كلي للهيمنة الأمريكية. فبعد احتلال العراق عام 2003 والرفض السوري له، اشتدت الضغوط على سورية وكان من أبرزها الاستغلال القذر لحادث اغتيال رفيق الحريري في لبنان، وبدء في اللعب بالورقة الداخلية السورية، بأشكال مختلفة، كان منها استدراج السلطة في سورية إلى الانجرار وراء النيوليبرالية واقتصاد السوق الحر الذي خلق فجوة كبيرة بينها وبين الجماهير، فازداد الاستياء بين صفوفها من تراجع أوضاعها الاقتصادية والمعيشية، وهنا استغلت القوى الاستعمارية الخارجية والرجعية العربية والمحلية حوادث وتحركات مطلبية كانت سلمية في بداياتها وانتهزت الفرصة لتنفيذ المخططات الموضوعة مسبقاً لتفجير الوضع برمته، يدل على ذلك تخزين الأسلحة المسبق، ونصب الخيم في الأردن وتركيا قبل اندلاع الحوادث، وجرى بالتدريج الانتقال إلى استخدام السلاح ضد الدولة وإلى تكوين منظمات مسلحة كانت تهيئ نفسها لهذه المرحلة، والانتقال إلى مرحلة أعلى وهي تدفق المقاتلين الأجانب من أكثر من 80 دولة عبر الحدود التركية والأردنية واللبنانية. الأمر الذي أدى إلى اندلاع الصراع الدموي بين الجيش وهذه القوى المعتدية في مختلف مدن البلاد وبلداتها.

لقد ترافق هذا العدوان مع موجة عاتية من الدعايات المنظمة والمتطورة لتصويره على أنه ثورة شعبية تنشد الديمقراطية، وسرعان ما تهاوت هذه الدعاية عندما اختبر الشعب السوري بتجربته الخاصة أن الذبح وقطع الرؤوس وتدمير المنشآت والمتاجرة بالنساء واغتصابهن، وإعادة التاريخ الى الوراء، هو ليس الثورة، بل هو عدوان خارجي بأدوات بشرية مستوردة وبعضها محلي، وبتغطية غربية وخليجية وتركية. ومع تتالي الأحداث في الخمس سنوات الماضية انكشفت أمام دول عديدة في العالم وقطاعات واسعة من الرأي العام الدولي طبيعة المعركة، واتضح لها الترابط بين المشروعين الإمبريالي والتكفيري اللذين يلتقيان حول الإجهاز على الدولة الوطنية السورية، لأن في ذلك تمزيقاً لبلدان المنطقة كاملةً.

إن التآمر الأمريكي الأوربي على سورية قديم العهد، ويعود إلى ما بعد استقلال سورية في أواخر الأربعينيات. وتجلى بشكل خاص في الخمسينيات حين كانت المؤامرات والأحلاف الاستعمارية لاتنقطع عنها، وكم من تهديد مورس عليها لتغيير نظامها ومواقفها السياسية ولكنها لم تنجح بسبب إرادة الاستقلال والحرية لدى الشعب السوري، ومساعدة الدول الصديقة له. إن تجدد الاهتمام الأمريكي بسورية منذ ذلك الوقت حتى الآن يعود إلى المعركة الاستراتيجية العدوانية الكبرى التي تخوضها أمريكا للسيطرة على العالم، من خلال إزاحة القوة السوفيتية سابقاً والروسية لاحقاً عن المشاركة في حل مشاكل العالم. وفي هذه المعركة تحتل سورية موقعاً جيوسياسياً هاماً ومؤثراً على باقي بلدان الشرق الأوسط.

إن بروز التيارات الدينية المتشددة وتحول بعضها إلى السلاح أعطى الولايات المتحدة فرصة للتدخل في المنطقة من خلالها عوضاً عن التدخل العسكري المباشر. وهي تكلف الآن أتباعها في المنطقة وخاصة تركيا والسعودية وقطر بخوض المعركة ضد سورية. وبالرغم من أن موجة الإرهاب التكفيري قد خرجت عن كونها ظاهرة شرق أوسطية وهناك قرارات دولية بمكافحته، فإن أمريكا تتهاون في هذا المجال وتصر على الاحتفاظ بأشكال مختلفة بهذه الورقة من اجل استنزاف سورية.

لقد تصدى جيشنا العربي السوري الباسل للغزاة، وهو مستمر في ذلك منذ خمس سنوات، في الحرب المستعرة ضد عديد أطرافها، ومع ذلك بقي صامداً ويقاتل بكل شجاعة وبأس، وعندما تكشفت النوايا الأمريكية المتهاونة حيال مكافحة الإرهاب، كان لابد من طلب المساعدة العسكرية من الدولة الصديقة روسيا التي برهنت على صدق نواياها تجاه إنقاذ البشرية من الخطر الإرهابي المجرم.

إن الأزمة السورية تمر الآن بأدق مراحلها، فإما أن تستخلص الولايات المتحدة الاستنتاجات الملائمة من وراء فشل خطتها في إسقاط الدولة السورية وتسير في طريق الحل السياسي، أو أن تستمر في سياستها المخادعة مما يطيل في عمر الأزمة وتبقى معه المنطقة بل العالم في حالة توتر لا يعرف أحد مداها. إن شعبنا السوري الذي رفع شعار الحل السياسي بيد والمقاومة بيد أخرى سيواصل استعمال جميع الوسائل لإنهاء التمرد الإرهابي وإلحاق الهزيمة بالإرهابيين وإعادة الأمان إلى ربوع سورية، واستئناف مسيرة التنمية فيها وإعادة إعمارها وممارسة دورها الوطني والقومي في قضايا المنطقة.

أيها الرفاق والأصدقاء

قاومت سورية أخطر أنواع الرجعية والاستعمار، ووقفت وحدها تدافع عن القيم البشرية وشرعة الأمم المتحدة والقانون الدولي. إلا أن الوضع الدولي لم يعد كما تريده أمريكا. لقد فتح العالم صفحة جديدة في تاريخه عندما وقف الأصدقاء الروس ومعهم وبأشكال مختلفة الصين الشعبية والهند وفنزويلا وإيران وكوبا وكوريا الشمالية والبرازيل، واتخذت بعض الدول مثل الشقيقة مصر مواقف داعمة لاستقلال سورية ووحدتها ومؤيدة للمساعدة العسكرية الروسية.

أما الدول الغربية، باستثناء الدولتين الصديقتين تشيكيا وسلوفاكيا، فقد كانت تعكس مصالح الاحتكارات الرأسمالية في داخلها ولكنها فقدت وحدتها عندما قفزت الأزمة إلى واجهة الأحداث ، فبدت مضطربة ومتناقضة. إن الدول التي وقفت بشكل موضوعي إلى جانب سورية أصبحت تشكل أكثر من نصف العالم، وهذا يدل على أن الرأسمالية التي تتخبط في أزماتها هي بالذات لم تعد الخيار الوحيد للشعوب وأن عالماً متوازناً ومتعدد الأقطاب أصبح فجره يطل على العالم ، وأن انتصار سورية على الإرهاب والهيمنة الإمبريالية سيحدث تأثيرات إيجابية في العالم كله.

إلا أن الوضع العربي لايسجل حتى الآن سوى الإشارات الداعية للتشاؤم. فمن ضرب سورية والعراق وليبيا واليمن، إلى التآمر على مصر، وعلى المقاومة في لبنان، وعلى القضية الفلسطينية، كلها إشارات تدل على ضخامة الهجمة الإمبريالية والصهيونية على المنطقة. لقد ابتلي العرب بأنظمة مصابة بداء الحقد على سورية كالنظام السعودي وقطر وتظن أنها بأموالها الغزيرة، وهي أموال النفط العربي، تستطيع أن تشتري العالم. ولكن خاب فألهم، فالوطنيون العرب والحقيقيون لايبيعون كرامتهم وشرفهم وعقيدتهم بالمال.

لقد استغل حكام تل أبيب الأزمة السورية اعتقادا منهم بأن الغلبة ستكون لصالح أسيادهم في واشنطن وحلفائهم الجدد في الرياض، ولما تبين العكس، أخذوا يظهرون القلق والتخوف من انتصار سورية الناجز، وازداد هذا القلق بعد دخول السلاح الروسي إلى المنطقة، وقيادة روسيا لعملية البحث عن حل سياسي للأزمة. كل ذلك يجري في خضم هبة شعبية فلسطينية في أنحاء فلسطين 1948 والضفة والقطاع، تشكل مدخلاً إلى انتفاضة جماهيرية واسعة تشارك فيها كل الفصائل ، ويكون شعارها المركزي والمحوري هو الاستقلال وإزالة الاحتلال، وأي شعار آخر ضيق الأهداف لن يفضي إلا إلى تجزئة القضية وضياع الهدف الأساسي من الثورة الفلسطينية.

كما آن الآوان للتخلي عن الرهان على دور أمريكي عادل، هذا الرهان الذي يتبناه البعض، ناسين أن العالم يتغير وأن وضوح الهدف والصمود وإرادة المقاومة ووحدة الصف الفلسطيني تحقق المعجزات.

أيها الأصدقاء والرفاق

أظهرت الأزمة الكارثية التي عاشتها سورية خلال السنوات الخمس الماضية أن هذا البلد الذي صمد وقاوم أعتى قوى الشر والهيمنة في العالم بقواه الذاتية وبمعونة أصدقائه وحلفائه، يحتاج لكي يداوي جراحاته ويرأب الصدع الذي أصابه، ولكي يرمم النسيج الاجتماعي الذي كاد العدوان أن يمزقه، يحتاج إلى وعي جديد ، نقي محرر من الأدران الطائفية والمذهبية والعنفية التي استند إليها الأعداء في تحريك الغرائز المتخلفة ما قبل الدولتية.

لقد استغل هؤلاء الهوامش الواسعة للحركة التي أعطيت لهم خلال عقود من الزمن تحت أستار مختلفة، بمقابل تقييد الحريات الديمقراطية للقوى والتيارات الفكرية العصرية، استغلوها لزرع بذور التشدد والتعصب الفكري والمذهبي، ووقعت أرتال وأرتال من الأجيال المتعاقبة في أحضان هذا الفكر، الذي انحازت أقسام من معتنقيه إلى التكفيرية لاحقاً. ومع أننا من أنصار الانفتاح على التيارات الدينية المستنيرة التي تحاكي ما هو نير وإنساني في التراث الثقافي العربي، فإننا لانرى ضيراً أو انتقاصاً من الأديان بشيء إذا ما كان المجتمع منفتحاً على مختلف مكوناته، في إطار دولة علمانية تفصل فيها الأديان عن الدولة، وسيكون في ذلك تقدم كبير نحو تحقيق الديمقراطية التي لايمكن تحقيقها بضربة واحدة، بل عبر تراكمات مستمرة.

إن توسيع قاعدة الحكم وإشراك أوسع الأوساط الوطنية فيه، سيكون أيضاً خطوة هامة نحو تحقيق إصلاحات ديمقراطية يقبل بها جميع الوطنيين السوريين الذين يريدون إغلاق ملف الحرب وتداعياتها. ولابد في الوقت نفسه من طي مسألة الموقوفين لأسباب تتعلق بالرأي، والإفراج عنهم وإعمال الدستور والقانون بهذا الصدد.

لقد أظهرت هذه الأزمة أهمية المسألة الاجتماعية التي أصبحت قبل تفجر الأزمة ، الشغل الشاغل للجماهير الواسعة ، بعد أن قضّ مضاجعها الفساد والمفسدين والفئة القليلة التي راكمت الثروات في جيوبها، بدون جهد أو ضوابط ، والتي بدأت منذ أواخر القرن الماضي بتفريغ المنجزات السابقة لشعبنا وبلادنا من محتواها تمهيداً لاحتوائها وتسخيرها لمصلحتها، وبدأت خطوات باتجاه تنفيذ نصائح البنك الدولي خاصة في مجال حرية التجارة الخارجية والداخلية ،وتقليص الدعم على السلع الشعبية وغيرها.

إن كل ذلك انعكس على حياة الكادحين بسواعدهم وأدمغتهم الذين يئنون من ارتفاع الأسعار الجنوني، وخلق استقطاباً طبقياً حاداً ، الأمر الذي اثار الاستياء، الى جانب العديد من السلبيات التي برزت في تلك المرحلة ، وساهمت في تكوين حاضنة لأعداء الدولة واستغًلت سياسيا. لقد لاحظ الجميع أن أول المواقع التي استهدفت في بداية التمرد الإرهابي هو ضرب البنية التحتية للدولة إدراكاً منهم ، أنها تشكل العمود الفقري لوجود الدولة ولولا مابقي سالماً منها لما أمكن الاستمرار في الصمود.

إن الإصغاء للجماهير وسماع شكاواها ومطاليبها، والنضال لتلبيتها،هي الأساس في عمل الشيوعيين أينما كانوا، لقد ضعف النضال المطلبي بسبب شعور البعض باللاجدوى، نتيجة عدم اهتمام المسؤولين بها مما خلق نوعاً من الإحباط. إن من واجبنا عدم تسريب اليأس إلى صفوفنا بسبب ذلك بل بالعكس يجب تشديد النضال الاجتماعي إلى جانب النضالين الوطني والديمقراطي.

لدينا ولدى العديد من القوى تقدير أنه بانتهاء الأزمة وبدايه إعادة الإعمار ، سوف يكون هناك ميل شديد من رجال الأعمال للاستثمار فيها ، ومع أن هذا هو أمر طبيعي لكننا نرى أن الأولوية يجب أن تَعطى للقطاع العام السوري الذي سيكون رافعة للنهوض بسورية، ولانرى مايمنع من الاستفادة من القطاع الرأسمالي المحلي شريطة ألا يكون مرتبطاً بالخارج، وأن يعمل في القطاعات المنتجة. إن الاستعانة بالدول الصديقة التي ساعدتنا كثيراً في فترة الأزمة تشكل خياراً استثمارياً ناجحاً وهي أيضاً خيار وطني.

إن المهمة الأساسية الآن هي الدفاع عن الوطن واستكمال القضاء على الإرهاب، ولكن يجب ألا نتجاهل حقيقة أن الغرب والرجعية عموماً سوف يستفيد من الأوضاع التي ستنشأ بعد استتباب السلام من أجل قطف ثماره والاستيلاء على السلطة، أو فرض التوجهات اليمينية الغربية عليها، وهذا يتطلب من قوى اليسار والتقدم العمل بقلب واحد وبرنامج واحد من أجل سورية الوطنية والتقدمية أيضاً، وهذا يفترض بداية توحيد جهود الشيوعيين السوريين والتقارب والعمل المشترك فيما بينهم، كأساس لتكوين جبهة أوسع، من القوى التقدمية من البلاد، وعدم العودة إلى الخلافات والانقسامات الماضية التي أخرتنا جميعاً، ونفتح صدورنا لإجراء نقاش حول أي موضوع بهدف التقارب وليس التباعد.

إن حزبنا الشيوعي السوري الموحد يدعو إلى مؤتمر وطني عام لجميع السوريين المخلصين للوطن، يهدف إلى الاتفاق على ميثاق وطني يضع القاعدة لدولة ديمقراطية علمانية، تقدمية تقوم على أساس المواطنة والحرية وحقوق الإنسان.

المجد والخلود لشهداء الوطن والشفاء للجرحى!

تحية تقدير للسيد رئيس الجمهورية العربية السورية الدكتور بشار الأسد، الذي يقود معركة الصمود ضد الإمبريالية والصهيونية والإرهاب.

وتحية لجنود وضباط الجيش العربي السوري الباسل.

عاشت سورية حرة مستقلة.

وعاش الحزب الشيوعي السوري الموحد!

العدد 1140 - 22/01/2025