وحدها الاشتراكية تستطيع إنقاذ الإنسانية من الهمجية

 في 7 تشرين الثاني 1917 شهد العالم أكبر حدث سياسي واقتصادي في تاريخه: أعلن المؤتمر الثاني لسوفييتات روسيا، المؤلف من 650 مندوباً الإطاحة بالنظام البرجوازي وإقامة نظام اشتراكي في البلد وأعلن الثورة الاشتراكية للعمال والفلاحين، الثورة الاشتراكية الروسية العظمى.

وفي اليوم التالي قدم قائد الثورة فلاديمير لينين في المؤتمر مرسوم السلام الذي يسحب البلد من الحرب الإمبريالية ويشجبها كأكبر جريمة ضد الإنسانية، وبذلك نفذ المطلب الأول للجماهير البروليتارية.

وفي الأيام التالية، أقر المؤتمر الثاني استبدال ملكية الشعب بالملكية الخاصة للأرمن كله وسلم أكثر من 125 مليون هكتار للفلاحين. وواصلت الحكومة الثورية اتخاذ اجراءات لتقديم وتعزيز الدولة الاشتراكية. انتقل النقل والأسطول التجاري والتجارة الخارجية ومعامل الرأسماليين الأقوياء ومصارفهم، وكذلك إنتاج منتجاتها وتوزيعها، إلى أيدي عمال وفلاحي الدولة السوفييتية.

احتلت الثورة البلشفية بسرعة عناوين الصحافة البرجوازية العالمية وأيقظت الجماهير المستغلة في عشرات البلدان. وفي الوقت نفسه نظّم المستغلون الرأسماليون، وقد رأوا مصالحهم الاقتصادية متأثرة مباشرة، تدخلاً عسكرياً ضد روسيا محاولين إسقاط حكومة العمال.

وخلال سنوات قليلة أصبحت الموجة الثورية التي نهضت في روسيا القديمة والمتخلفة تسونامي.

كانت مكاسب العمال والنساء والشباب والشعب الروسي كله هي المؤشر على أن الثورة واقع وأنه من الممكن الحفاظ عليها بأوسع تضامن أممي ودعم الجماعير البروليتارية الروسية. وكان لهذا التضامن طابع خاص لأنه لا يمكن أن يصدر سوى عن أولئك الذين جربوا وعانوا من ظروف مماثلة من الاستغلال والجوع والبؤس التي خبرها الشعب الروسي: بروليتاريا وشغيلة البلدان الأخرى. وكانت الأممية البروليتارية أساس هذا التضامن.

وفي كانون الأول ،1922 بعد خمسة أعوام على الثورة، أساس اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية. واتخذت أوكرانيا وبيلاروسيا وإقليم ما وراء القوقاز الخطوة الأولى واتحدت مع الاتحاد الروسي الاشتراكي موسعة حدود الدولة السوفييتية الجديدة. وفيما بعد اتخذ 11 بلداً القرار نفسه واتحدت ضمن الاتحاد السوفييتي. وتطور على نحو لافت الدفاع والصناعة والزراعة والنتاج الفكري والثقافي وصفوف الحزب وظروف الدعم الأكثر فعالية للثورات والانتفاضات الشعبية في كل أنحاء العالم. وعلى نحو مماثل تعززت الإيديولوجية البروليتارية عبر العالم، ولم تعد الاشتراكية حلماً بل أصبحت واقعاً. وأظهرت حيوية النظام والاشتراكية، وقدرته على التنفيذ السريع لوعود قرون لم تنفذ أبداً من قبل الأسياد في السلطة، مثل حق الفلاحين في الأرض وإنهاء الاستغلال المزدوج للمرأة وحق الشعوب. إلخ، للجماهير أن عالماً آخر ممكن. كشفت هذه الأحداث التاريخية الاستثنائية قوة الوحدة الشعبية ضد المستغِلين.

 

تضامن الاشتراكية مع الإنسانيةعلى الرغم من الهزيمة المدوية في جميع الميادين، لم يمت العدو.

كانت السلطة السوفييتية، المدعومة بأيديولوجيتها المادية والفهم الديالكتيكي للعالم، واضحة بشأن الوضع واستعدت باستمرار لمواجهات جديدة. عرف الاتحاد السوفييتي، بقيادة ستالين بعد وفاة لينين، أن هذه المواجهات قد تكون ذات أبعاد عالمية، لأن البرجوازية العالمية لم تكن مستعدة لخسارة السيطرة على (الاقتصاد والثروة في أكثر من نصف أوربا، تقريباً خُمسَيْ آسيا أي سُدس مساحة الكرة الأرضية.

في عام ،1939 أي بعد 22 عاماً من الثورة البلشفية، اندلعت الحرب العالمية الثانية التي أثارتها النازية الألمانية، أي الشكل الأكثر وحشية من الديكتاتورية البرجوازية. كانت الخطة النازية المدعومة في البداية من قبل القوى الرأسمالية الأساسية، تدمير الجمهورية الاشتراكية السوفييتية التي حققت نمواً اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً واضحاً وأصبحت منارة حقيقية للجماهير المستغلة من قبل برجوازية البلدان الأخرى.

كانت الرأسمالية العالمية في أزمة عميقة، وأثرت البطالة في أغلبية العمال وازداد بؤس الجماهير والجوع ازدياداً هائلاً. أما في الاتحاد السوفييتي فكان التشغيل الكامل والقضاء على الأمية، والوصول غير المقيد إلى العناية الصحية والرياضة والترويح والجماعات والمدارس والتدريب المهني. كل ذلك مجاناً، دون أخذ قرش إضافي من جيب العمال، لا يستطيع أحد إخفاء تفوق الاشتراكية بالمقارنة مع الرأسمالية.

كان لدى النظام السوفييتي، على الرغم من كونه فتياً، تجربة كبيرة في فن الحرب، استمر منذ ولادته بفضل القتال الشديد ضد الأعداء الرأسماليين الذين نشطوا ضد الدولة من خلال أعمال التخريب ومجازر القرى والاغتيالات والحروب الأهلية.. إلخ، إلى جانب دحر التدخل الأجنبي لـ 28 بلداً.

ومع إعلان ألمانيا النازية الحرب، اضطر الاتحاد السوفييتي إلى التغلب على ضعفه الدفاعي وتسريع تطوير قدرته العسكرية، وخلال أربعة أعوام من الصراع، لم يكن هناك دليل أكبر على البطولة والتفاني والانضباط الثوري وحب الإنسانية مما مارسه المواطنون السوفييت وجيشهم الأحمر القوي. لم يحرر الاتحاد السوفييتي شعوبه فقط من الغزو النازي، بل كان حاسماً لتحرير الإنسانية كلها من إرهاب هتلر.

كانت آثار الحرب مدمرة بالنسبة لشعوب الاتحاد السوفييتي وللبلد، فإلى جانب الضربات القوية التي وجهت إلى صناعته وزارعته، سببت وفاة 25 مليون شخص.

ولكن الوحش النازي هزم وكانت النتيجة الفورية لهذه الهزيمة الساحقة ثورة ديمقراطية شعبية، وإقامة حكومات ثورية في بلدان مختلفة من أوربا الشرقية، ما وسع سيطرة الشعوب على مصيرها وزاد من تقليص سيطرة الاحتكارات الاقتصادية والمالية والحكومات الدمية الإمبريالية على مساحات واسعة من الكرة الأرضية.

لم يعزز هذا الهجوم الثوري ضد (مالكي العبيد من كل البلدان) خلال الحرب العالمية الثانية تكتيك الشيوعيين ضد الحروب الإمبريالية الضارية فحسب، بل حوّل كذلك البلشفية العالمية إلى نظرية، وبرنامج وتكتيك للبروليتاريا العالمية ومنظماتها السياسية لأنه، كما قال ديمترون، (الأعمال أعلى صوتاً من الكلمات).

الأممية والثورة

وهكذا نشرت أممية الدولة السوفييتية الثورة والاشتراكية عبر العالم. في آب 1945 انضمت كوريا الشمالية إلى البلاشفة. وفي 1 تشرين الأول 1949 تحرر أكبر بلد في العالم من قيود العبودية وحكومة تشان كاي شيك الرجعية والاستعمار الجديد الأمريكي وأعلن قيام جمهورية الصين الشعبية بقيادة الحزب الشيوعي الصيني. ووجدت الثورة دعماً قوياً من جانب الحزب البلشفي والدولة السوفييتية والجيش الأحمر الذي قدم الأسلحة والمقاتلين والعلماء والفنيين. وهكذا صار العالم الثوري والاشتراكي يشكل أكثر من ثلث مساحة الكرة الأرضية.

ومن أجل وقف هجوم الثورة البروليتارية وتعويض الخسائر الضخمة التي سببتها التغييرات في اقتصاد البلدان المتحررة، شددت الإمبريالية في سياستها على استغلال العمال، وخصوصاً في البلدان الأقل نمواً، ما أثار المزيد من الحركات من أجل التحرير. وفي 1 كانون الثاني ،1959 وجهت كوبا، الجزيرة الكاريبية الصغيرة التي تقع على مسافة تسعين ميلاً من الممثل الرئيس للرأسمالية العالمية، ضربة قوية للولايات المتحدة لقيامها بالثورة. في عام 1975 منيت الولايات المتحدة بأكبر هزيمة في تاريخها كله. فقد هزم الحزب الشيوعي الفيتنامي، بعد أعوام من المقاومة وحرب الأنصار الثورية، أقوى جيش رأسمالي في العالم وأسس جمهورية فيتنام الاشتراكية.

تعمل البرجوازية اليوم في الحقيقة، كما في السابق، كطبقة واحدة موحدة وتتبنى خطوات مشتركة ليس فقط في الاقتصاد العالمي، بل كذلك في السياسة كما يُظهر بوضوح عدوان البلدان الإمبريالية ضد العراق وأفغانستان وإيران وفلسطين ومالي وليبيا وسورية وأوكرانيا وغيرها.

لذلك، وكما يتوحد الرأسماليون حول العالم ولديهم دوماً اجتماعاتهم وينظمون تحالفاتهم ضد الشغيلة، يحتاج العمال إلى التوحد على المستوى العالمي.

كانت الأممية الثالثة، كمنظمة سياسية أممية للعمال، سلاحاً أساسياً لوحدة الشيوعيين على مستوى العالم، لأنها اعتمدت اعتماداً رئيسياً على التطور السياسي والأيديولوجي والمادي للاشتراكية في الاتحاد السوفييتي.

خلال فترة وجودها، من عام 1919 إلى عام ،1943 سمحت الأممية الثالثة للعمال والثوريين في العالم بتنفيذ هجوم ضد الرأسمال والاستغلال اللذين فرضا على الجماهير. كانت فترة تطور وتأسيس الأحزاب الشيوعية والجبهات الشعبية ومنظمات الأنصار والجيوش الثورية الهادفة إلى الثورة الشعبية والاشتراكية في بلدان شتى.

العدد 1140 - 22/01/2025