كتابان جديدان عن دور الاتحاد السوفييتي في الحرب العالمية الثانية
كانت الحرب العالمية الثانية التي انتهت قبل سبعين عاماً، الحرب الأكثر دموية في تاريخ الحروب.. سببت عشرات ملايين الإصابات ومقداراً هائلاً من الدمار وأعمال إبادة متعددة.. كان الغجر والأوكرانيون بعضاً من الأهداف النازية، وكذلك الشيوعيون، وسميت (الحرب العالمية) لأنها شملت القتال في إفريقيا وأوربا والمحيط الهادي.
يصف العديد من الكتب والمقالات هذه الحرب بـ(حرب الشعب) الهادفة إلى الحفاظ على (الديمقراطية والحرية). قد يكون لهذا الوصف ما يسوغه لدى الحديث عن التصور الشعبي للنضال ضد ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية، ولكنه لا يشرح بالتأكيد التنافس بين مجموعتين إمبرياليتين رئيسيتين حاربت كل منهما الأخرى: بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة (الحلفاء) من جهة، وألمانيا وإيطاليا واليابان (المحور) من جهة ثانية.
ولا يشرح كذلك لماذا كانت هناك قطاعات مهمة في البلدان الإمبريالية المتحالفة مستعدة لعقد اتفاق مع ألمانيا النازية. في المحيط الهادي والصراع في شرق آسيا، كانت اليابان قوة رأسمالية متمددة، ولكنها ليست فاشية، كان الصراع بين اليابان والولايات المتحدة بوضوح صراعاً بين إمبرياليتين من أجل السيطرة على آسيا.
يؤدي كتاب (الحرب العالمية الثانية- تاريخ ماركسي)، تأليف كريس بامبيري (بلوتو بريس 2014) عملاً جيداً في وصف التنافس والتوترات البينية الإمبريالية، سواء قبل الحرب أو بعدها، ولكنه يسقط في تقويم دور الاتحاد السوفييتي في الصراع ضد ألمانيا الفاشية. يكشف الفصل السادس من الكتاب المعنون (روسيا: الانتصار القاسي) توجّه بامبيري ما يسميها (روسيا) كانت آنذاك ولبعض الوقت بعد الحرب العالمية الثانية الاتحاد السوفييتي، ويعزو نجاحاتها في مقاومة التقدم الألماني لارتخاء سيطرة الحزب الشيوعي على وحدات الجيش.
لا يوافق على ذلك كتاب آخر هو (ستالينغراد: المدينة التي هزمت الرايخ الثالث)، تأليف يوشن هيليبيك (ببليك أفيرز2015)، ويوثق نمو نفوذ الشيوعيين داخل الجيش خلال معركة ستالينغراد. كانت عضوية الحزب الشيوعي في الكثير من الأحيان مكافأة على بسالة عسكرية. شنت ألمانيا في 22 حزيران 1941 أكبر غزو في تاريخ الحروب.. هاجم نحو أربعة ملايين جندي على جبهة طولها 1800 ميل، ولكن الاتحاد السوفييتي تمكن خلال أشهر من نقل 1532 معملاً من ضمنها 1360 لها صلة بالتسليح، بعيداً نحو الشرق، مستخدماً 5,1 مليون عربة قطار، وأنجز العمل بين تموز وتشرين الثاني 1941. كانت هذه إحدى الطرق التي استخدم بها العمال مهاراتهم التنظيمية للحفاظ على بلادهم ونظامهم الاجتماعي، ومنذ ذلك الوقت عملوا 11 ساعة وسبعة أيام في الأسبوع، وفاقت إنتاجيتهم إنتاجية ألمانيا وحتى الولايات المتحدة.
بدأ الجيش الألماني معركته لاحتلال ستالينغراد في 23 آب 1942. يتناول كتاب هيليبيك مصدراً غير عادي.. إنه يستند إلى مختارات من 215 مقابلة أجراها مؤرخون سوفييت وسُجلت اختزالياً بين 2 كانون الثاني 1943 ونهاية شباط من العام نفسه. أراد المؤرخون كشف المواطن السوفييتي الجديد، ولذلك أجروا مقابلاً مع قادة قوات وجنرالات وضباط أركان ومفوضين ودعاة وبحارة في أسطول الفولغاو وممرضات وطباخين، وحتى مع مدنيين بقوا في المدينة.
كانت ستالينغراد المعركة الكبيرة الأولى التي خسرها الألمان في الحرب العالمية الثانية، ووضعتهم هذه الهزيمة في موقع دفاع استراتيجي بقية الحرب. كانت نقطة انعطاف حاسمة في الحرب خسر فيها الألمان جيشاً كاملاً.
السؤال الذي برز حيئنذ، وخصوصاً لدى آلة البروباغندا الألمانية، ولكن أيضاً لدى الإعلام الغربي المعادي للسوفييت، هو: كيف تمكّن الجيش السوفييتي من مقاومة قوة كهذه؟ كيف تمكن للجيش الأحمر الذي لم يكن له من العمر 25 سنة في ذلك الوقت، من إلحاق الهزيمة بجيش محترف جيد التسليح والتدريب؟ كيف يمكن تفسير إقدام ملايين الناس على قتال الألمان حتى السقوط من الإعياء؟ لماذا قاتل بعض الجنود الحمر حتى رصاصتهم الأخيرة وبعد ذلك رموا الحجارة بدلاً من الاستسلام؟!
توقعت الخارجية البريطانية في بداية الحرب أن تدمر ألمانيا الجيش الأحمر خلال أربعة إلى ستة أسابيع.
النظرة النازية العنصرية إلى الاتحاد السوفييتي
نشرت الصحيفة الرسمية لقوات الصاعقة النازية (داس شوارزيه كوربس) في 29 تشرين الأول 1942 تقويماً للمعنويات السوفييتية: (البلاشفة يهاجمون حتى الإنهاك التام، ويدافعون عن أنفسهم حتى الإبادة الجسدية لآخر رجل وسلاح.. يقاتل الفرد أحياناً متجاوزاً الحدود التي تعد ممكنة إنسانياً). تحاول المقالة تفسير ذلك باستدعاء (قوانين البيولوجيا العنصرية). ينتمي الجنود السوفييت إلى (عرق) آخر.. نشؤوا من (إنسانية دنيئة ذات فهم قاتم).
وانتهت المقالة برسم التهديد الذي يشكله لأوربا (هذا العرق السفلي المطلق العنان). حوّل النازيون معركة ستالينغراد إلى قضية المصير التاريخي للعالم: (يعود إلينا تقرير هل سنبقى كائنات بشرية مطلقاً).
لا يستطيع بعض المؤرخين البارزين في الغرب فهم أن الثورة البلشفية هي التي دفعت العمال السوفييت للدفاع عن نظامهم، يزعمون أن الجنود السوفييت الذين قاتلوا في ستالينغراد فعلوا ذلك تحت سوط إرهاب الشرطة السرية.. ويتحدث مؤرخون آخرون عن الجنود السوفييت كضحايا مضللين، ويستخفون ببياناتهم عن الوطنية أو المؤيدة للمثل الاشتراكية كـ(تلقين إيديولوجي).
ولكن كتاب (ستالينغراد) لهيليبيك يقترح سبب انتصار الجيش الأحمر في معركة ستالينغراد: الوعي السياسي للجنود والشعب السوفييتي، وعي سياسي غرسه وثبّته وطورّه الحزب الشيوعي.
بعض القصص في المقابلات مذهلة: ضاربة على الآلة الكاتبة تعمل على الأوامر إلى الأفواج في الفرقة، كانت قد دُفنت عندما دمرت المدفعية الألمانية الغرفة المحصنة تحت الأرض التي تعمل فيها. انتقلت إلى غرفة محصنة أخرى بعد انتشالها، وهذه انهارت أيضاً على نحو مماثل، وانتقلت إلى ثالثة بعد انتشالها ثانية، وأكملت مهمتها وحصلت على الأوسمة.
حملت الممرضات أسلحة جنبية لأنهن إذا أسرهن الألمان عوملن كملكية جنسية للجنود، تحولت أكثر من مليون امرأة إلى مقاتلات في الجيش الأحمر، ليس فقط كممرضات بل كضباط استخبارات وميكانيكيات وقناصات وطباخات وضاربات على الآلة الكاتبة وطيارات. رأى الدعاة الشيوعيون والمفوضون السياسيون هدفهم الأول الحفاظ على المعنويات وإلهام المزيد من البطولة، وكانت لكل فرقة ولواء وفوج وحتى الوحدات الأصغر صحيفة من نوع ما شرحت ما يجري وأشارت إلى أعمال البطولة.
المؤثر حقاً في مقابلات كتاب (ستالينغراد) هو أنها تعطي وجهة نظر متعددة الأبعاد، من الكادر الشيوعي الذي قام بالعمل التربوي الإيديولوجي، إلى الجنود الذين تلقّوه. كانت معركة ستالينغراد نقطة انعطاف حاسمة في الحرب العالمية الثانية، ولعب الحزب الشيوعي السوفييتي دوراً أساسياً في دحر الجيش الأحمر لألمانيا النازية.