ما المقصود بتخصيص التعلم؟!

أصدرت وزارة التربية في الجمهورية العربية السورية مؤخراً، قرراً يفيد بضم صفي الخامس والسادس إلى الحلقة الأولى.. ما هي النتائج المترتبة على هذا القرار، هل يصب في مصلحة بناء شخصية الطفل التعليمية وتطويرها؟! أم هو لمصلحة المعلم وفائدته؟! وهل يهدف إلى تطوير الحركة التعليمية ودعمها في عملية البناء الجديدة؟!

ما هو الهدف التربوي من وراء دمج صفيّ الخامس والسادس مع الحلقة الأولى؟!

إن الهدف من وراء هذا الدمج هو تخصيص التعليم، وليس المقصود بهذه العبارة هو الاهتمام بالمادة العلمية لكل مادة على حدة، بحجة بأن معلم الاختصاص هو الأقدر على إيصال المعلومة إلى الطفل أو المتعلم، أو تخلي معلم الاختصاص عن مسؤولية تقييم التلاميذ وعن التخطيط للمشاريع التعليمية وتقديمها، أو السماح للتلاميذ القيام بما يشاؤون ومتى وكيف يريدون، أو العودة إلى تبني موقف (حرية التصرف) الذي كان متبعاً في العقود الأخيرة.

وإنما المقصود بعبارة تخصيص التعلم هو تركيز الاهتمام على ما يجعل عملية التعلم ناجحة لكل تلميذ في مؤسسة المدرسة على مستوى الأطفال والبالغين، واتخاذ التدابير والاستراتيجيات اللازمة لتحقيق ذلك.

إن التعليم في سورية هو تعليم أكاديمي بحت، يشدد على أهمية المادة العلمية وقوتها، وهي نقطة القوة في برامجنا ومناهجنا التربوية والتعليمية، وكان يتناسب مع حاجات المتعلم السوري سابقاً، أما اليوم فنحن بحاجة إلى دمج التربية الأكاديمية مع التربية الوظيفية، والانتقال من الاهتمام بجودة التدريس إلى التفكير بالطرق والوسائل المناسبة التي تسعى لتوفير عملية تعليمية جيدة، خاصة بعد الصعوبات التي واجهتها الطفولة السورية، لذلك كان نداء القادة التربويين هو التحول من التشديد على محتوى المنهاج بوصفه مركزاً للعملية التعليمية إلى تطور الطفل ليصبح متعلماً واثقاً ومتمكناً من ذاته بوصفه محور العملية التعليمية، وهذا يتطلب ملاحظة التطور الكلي للمتعلم وليس فقط المعرفي، وذلك بالانتقال من استخدام عبارة (ماذا نتعلم؟) إلى استخدام عبارة (كيف نتعلم؟)، وهنا يصبح التقييم لوضع خطة التعلم المستقبلي.

تسعى الحركة التعليمية السورية إلى إخراج المعلم من بوتقة التعليم التقليدي الذي يقوم على مبدأ قياس واحد يناسب الجميع، فالمنهاج ثابت ويقدم بطريقة محددة، ومن ثم يجرى امتحان في نهاية العام الدراسي لتحديد مدى قدرة المتعلمين على استرجاع المعلومات والمفردات.

لذلك هي تعمل على نقل حجر الأساس من المنهاج إلى إمكانات الطفل، ومن ثم تبني على مهاراته وقدراته في التعلم وتدعمها من خلال تصميم برامج تناسب تطوره ونموه.

أين الطفل من كل هذا؟

يقوم بتدريس أطفال الخامس والسادس اليوم داخل حجرة الصف عشرة معلمين كحد أدنى، وهذا أثّر تأثيراً سلبياً على تحصيله العلمي، وعلى الأنشطة الصفية، لأن أستاذ الاختصاص لا يملك الوقت الكافي لبناء علاقة مع المتعلم، فهو مقيد بمدة الحصة الدراسية التي عليه إنهاؤها للانتقال إلى حصة أخرى في صف آخر أو في مدرسة أخرى. وكان هذا سبباً رئيسياً في تشتت الطفل.

لكي يشعر الطفل بالأمان والراحة داخل حجرة الصف هو بحاجة للتعامل مع شخص واحد، وهذا الشخص هو المسؤول عن  خلق البيئة الصفية الملائمة وإدارتها لنجاح العملية التعليمية، وذلك بإتباع استراتيجيات وألعاب وأنشطة تهدف لجعل التعلم رحلة ومغامرة.

نحن نحتاج اليوم لكي يكون أطفالنا كمتعلمين ناجحين، لكن لا يمكننا متابعة التعليم نيابة عنهم، لأن عليهم بناء مفاهيمهم الخاصة عبر تفاعلهم مع بيئاتهم ومع رفاقهم. أما نحن مهمتنا كقائمين على الحركة التعليمية هو إرشادهم وتدريبهم ونصحهم ودعمهم وتوفير بيئة محفزة وخصبة يستطيع التلاميذ التعلم من خلالها، ولتأمين ذلك يجب وجود معلم صف ثابت مهمته كالتالي:

1. معرفته لكل تلميذ لديه، وتحديد نقاط القوة لديه، والنقاط التي بحاجة إلى المزيد من التطوير.

2. العمل جنباً إلى جنب مع الأطفال وتفويضهم ببعض الصلاحيات المتعلقة بالتعلم، لأن ذلك يعمل على زيادة استقلالية الطفل.

3. دعم التلاميذ وتشجعيهم على تطوير مهارات تعلم مستمرة لمدى الحياة.

4. معرفة المعلم لصفات تلاميذه الشخصية باعتبارهم أفراداً إلى جانب صفاتهم الشخصية باعتبارهم متعلمين، لأن التعلم يشمل الطفل بكل ما يحيط به ولا يقتصر على قدراته الإدراكية.

إن معرفة التلاميذ لكيفية الدراسة وفهم كيفية الاستيعاب وتعلم كيفية التعلم، يعمل على تطوير مجموعة من المواقف الإيجابية نحو تعلم أفضل، ولا يمكن تحقيق هذه الأهداف بغياب معلم الصف المسؤول عن متابعة الطفل والتفكير بالطريقة المناسبة لجعل الصف مكاناً يدخل الفرح والسعادة إلى قلوب المتعلمين.

ما هو رأي الأطفال بتعدد الأساتذة الّذين يتابعون تعليميه؟!

يوضح نور وهو طفل في الخامس الابتدائي: (أنا ما عم أفهم شي، بيدخل أستاذ على الصف وبيطلع التاني، ما بتلحق نكتب شي، ما بنلعب ولا بنتسلى…).

أما لانا فهي في الصف السادس الابتدائي فتقول: (أنا بدي أرجع صف أول وتاني، لأن كان عندي معلمة واحدة بتهتم فيني، هلأ أنا ما بعرف وقت يصير معي مشكلة لمين بدي أحكيها).

ما هو رأي المعلّم بهذا القرار؟!

سلام (مدرسة رياضيات صفيّ الخامس والسادس) تؤكد بأن القرار لمصلحة الطفل، لأنّه ضاع بين تعدد المعلمين المتناوبين عليه، لكن اضافت: هل يملك معلّم الاختصاص القدرة على إدارة الصّفّ ومتابعة كلّ طفل على حدة؟ لذلك يجب التّفكير بخطّة تٌجبر المعلّم على الخروج من بوتقته ليكون قائداً ناجحاً للصفّ وداعماً للحركة التعليمية.

نسرين (مدرسة لغة عربية في مدرستين) تؤكد أنها لا تملك الوقت الكافي داخل الصف للحوار مع الأطفال أو لممارسة بعض الألعاب اللغوية معهم، لأن عليها إنهاء الحصة والذهاب لمتابعة يومها في مدرسة أخرى تبعد نحو الساعة بالسيارة.

إذاً، بات واضحاً من آراء الأطفال والمعلمين أنّ للبيئة أثراً كبيراً في دعم عملية التعلم، لكن الأهم هو البيئة الانفعالية التي ينبغي أن تكون صحيّة لتتم عملية التعلم بنجاح، لأنها تتأثر بشكل سلبي ما لم تتسم علاقة التلميذ بمن يهيئ له عملية التعلم بالثقة والاحترام المتبادل. كما ينبغي أن يكون التلميذ مرتاحاً في بيئته حتى تصل فرص التعلم إلى حدها الأقصى، وتأمين هذه البيئة وتجهيزها هي مهمة معلّم الصف.

العدد 1140 - 22/01/2025