نشرة جوية شباطية
حتى أمس ليس ببعيد.. كانت جلّ توقعاتنا بشأن أحوال الطقس المقبلة تقتصر على ما ورثناه من خبرة عملية تراكمت على مدى أجيال متعاقبة أثمرت ما يمكن اعتباره تقويماً مناخياً اعتمده أجدادنا وآباؤنا كدليل لتنظيم شؤونهم، وخصوصاً ما يتعلق منها بالزراعة ومواسمها، فبالإضافة إلى شهور التقويم الميلادي الشرقي التقليدي كانت الأربعينية والخمسينية والسعود الأربعة، وأيام العجوز السبعة، وغيرها من تقسيمات صاغتها الذاكرة الشعبية وواكبتها بطائفة من الأقوال والأمثال الدالة على حال المناخ الغالبة في كل وقت من أوقات السنة، أشهرها وأكثرها تداولاً كانت الأمثال الدالة على المناخ المميز لكل شهر من الشهور، فكان لأيلول ذيله المبلول، وأُقحم بين تشرين الأول وتشرين الثاني (صيف ثاني)، وفي كانون قيل (كن ببيتك يا مجنون)، أما شباط الشهير بمناخه المتقلب تبعاً لموقعه المتأرجح ما بين أواخر الشتاء وبدايات الربيع،فقد حظي بطائفة استثنائية من الأمثال التي تناسب كل طور من غريب أطواره، فحيناً هو (شباط اللباط) وحيناً (ما بيخبي شمسه) و(مهما شبّط ولبّط فيه روايح الصيف) وعلى العموم (شباط ما على كلامه رباط) ثم يأتينا آذار الهدار الذي تخبأ له (الحطبات الكبار)، ومع استقرار المناخ في الربيع يخفت ضجيج الأمثال الناطقة بلسان حال كل من شهور نيسان وأيار وحزيران المعتدلة المناخ نسبياً لتعود بخجل مع تموز الذي تغلي فيه (المية في الكوز) وآب (اللهّاب). بطبيعة الحال..وحتى في غير شباط، لم تكن هذه الأمثال توافق الواقع دوماً، فكانت تصيب حيناً وتخيب أحياناً، فكم من أيلول مضى بذيل جاف كقش حزيران، وكم من آذار لم يسمع له هدير ولا صرير، فهي في النهاية خلاصة تجارب فردية وجمعية لا تستند على أساس علمي بالمفهوم الحديث، وتفتقر للمعلومات والمعطيات الدقيقة التي أتاحها التطور الهائل لعلم الأرصاد. اليوم.. لم نعد بحاجة لاستحضار هذا الإرث الثر من الأمثال لاستقراء حال الطقس المتوقعة، بضغطة زر بسيطة تطل علينا صبية حسناء فرعاء مصقول عوارضها، ترفل بثياب فاخرة، تحاكي حال الطقس السائدة، لتخبرنا بكل ما نود معرفته عن حال الطقس، مستلهمة من قوانين الاحتمالات ذات الحيلة (الشباطية) التي سبقها إليها أهل المثل قديماً إزاء تذبذب مناخ شباط، وهاكم عينة عشوائية لا تخلو من مبالغة لا تمس جوهر موضوعنا، وأترك للقارئ اللبيب المتتبع لنشراتنا الجوية مهمة رسم الحدود الفاصلة بين المبالغة الأدبية والواقع الملموس:
(تتأثر البلاد بامتداد منخفض جوي في طبقات الجو العليا والمتوسطة يترافق بامتداد مرتفع جوي سطحي، فيكون الجو متقلباً بين الصحو والغائم جزئياً، يتحول إلى غائم أحياناً، حيث تكون الفرصة مهيأة لهطول بعض الامطار فوق بعض المناطق، تكون غزيرة أحياناً على فترات، حيث يحذر من تشكل السيول في الأودية والمنحدرات مع احتمال أن يكون الهطل ثلجياً على المرتفعات، الرياح شمالية غربية تتحول إلى جنوبية شرقية خفيفة إلى معتدلة السرعة مع هبّات نشطة أحياناً تثير الغبار في بعض المناطق، أما درجات الحرارة فتبقى حول معدلاتها في مثل هذه الفترة من السنة، نسبة الرطوبة تتراوح ما بين 20 إلى 80%، البحر خفيف إلى متوسط ارتفاع الموج يتحول إلى مائج أحياناً مع اشتداد سرعة الرياح، وهذه جولة على حال الطقس المسجلة في عدد من المدن العربية والعالمية…..).
هنا تحديداً.. وعند ذاك الجزء الأخير من النشرات الجوية المتعلق بأحوال الطقس المسجلة في عدد من المدن العربية والفرنجية أود التوقف لبرهة لأتوجه بالتماس شخصي إلى كل من ظفر بالغاية من هذا الاستعراض، أو لديه أية معلومات عن فئة ما تعنيها هذه المعلومة القيمة بشكل من الأشكال، ألتمس منه وأرجوه أن ينورنا بمغزى هذا الاستعراض وأجره على الله، وأختم ببيت من عيون الشعر العربي ساقه أحد الخبثاء تعليقاً على إحدى النشرات الجوية والعهدة على الخبيث:
كأننا والماء من حولنا
قوم جلوس حولهم ماء