حفلات التخرج.. فرح يعقبه حسرات

شهدت جامعة دمشق خلال الأيام الماضية تخرج عدد كبير من طلابها في مختلف التخصصات العلمية، وقد كانت حفلات التخرج رائعة، ظهر فيه الخريجون والابتسامة تعلو وجوههم فرحاً بوصولهم إلى هذا اليوم الذي طالما انتظروه وتحملوا من أجله الكثير من المشاق والصعاب، فتركوا الراحة وفارقوا الأهل وتحملوا مشقة الأزمة واجتهدوا وعملوا ليلاً ونهاراً من غير كلل ولا ملل، ليصلوا إلى آخر محطة لهم، ليجنوا ثمرة هذا الجهد الذي دام أربع سنوات وربما أكثر.

لقد فرحوا كثيراً، وفرحنا معهم، ولكن هذه الفرحة مزجت في الوقت نفسه بشرود ذهني، فحضر الجسم وغاب العقل غارقاً في بحر من التفكير، باحثاً عن إجابة لسؤال طالما حير من سبقوهم: ماذا بعد ذلك؟ ففي هذه الأثناء يمر بذهنه عدد من الشواهد والأمثلة لمن سبقوه من الخريجين الذين أصبحت هذه الذكرى حين يطالعونها من خلال ما جمعته كاميراتهم همّاً يؤرقهم بعد أن ملكوا الشهادة الورقية ولم يمتلكوا قيمتها.

فمن لهذا العدد الكبير من الخريجين يستفيد من طاقاتهم العملية وقدراتهم العلمية ليحولها إلى مشروع نهضة وبناء وإعمار سورية، بعد أن ضرب الإرهاب أراضيها. لقد تحول كثير من الخريجين إلى موزعين لسيرهم الذاتية على أرباب الأعمال العامة والخاصة، يمضون أوقاتهم متابعين إعلانات الوظائف الشاغرة، ثم يعودون بعد طول الانتظار بخفي حنين إلى وسائدهم ليحلموا من جديد.

ولا عجب أن نرى هذه المشاهد حين يوسد الأمر إلى غير أهله، فقد تولى أمرنا عدد كبير من مديري مؤسسات عامة وخاصة لا يحملون مؤهلات علمية مرموقة، يتعاملون مع هؤلاء الخريجين لا كأنداد يعطونهم قيمتهم، ففاقد الشيء لا يعطيه، بل قد يعتريه نوع من الخوف من حامل الشهادة، فقد سيكون السبب في حرمانه من هذه الإدارة، مما يضطره للبحث عن الأقل كفاءة لتعيينه، حتى لا ينتقد عمله، وبهذا أصبح التوظيف وفرص العمل في بعض المؤسسات ليس للمؤهلات فيها مكان.

الطالب بعد تخرجه يصل به تفكيره إلى ثلاث طرق لا ثالث لها، فإما أن ينتظر الوظيفة الرسمية التي لا حدود للزمان فيها، وأما الخيار الثاني فما عليه إلا أن يرضى بأي عمل دون النظر إلى التخصص والقدرات العلمية، سواء كان عملاً قيماً أو دونياً. وأما الخيار الثالث فهو خيار الاغتراب. وبهذا ندرك حجم المعاناة التي يمر بها الخريج، بعد حفل التخرج والتي تحتاج من الجهات الرسمية وأصحاب الرساميل أن تتضافر جهودهم للخروج بحلول تعمل على الوصول بهذا الجيل إلى بر الأمان والاستفادة من طاقاته لتعود بالنفع على المجتمع، والحد من البطالة وسرقة العقول.

العدد 1140 - 22/01/2025