التشويه

ليس التشويه كما جاء في القواميس، هو تشويه ملامح الوجه وإفسادها وتقبيحها، وتحريفها وتغييرها، بل هو التغيير الحاصل بفعل الطبيعة أو الإنسان، وإبدال (الجميل أو الجمال) بـ (القبيح أو البشع)، أي تبديل صفة جيدة في الشخص المشوَّه، بصفة مُخْتَرعة أو مُصنَّعة لسانياً، لأسباب مُخْتَرعة ومختلقة بهدف تشويه الآخرين حسداً ونجاسة وغيرة و..و.. إلخ.. وللتشويه اختصاصات مثل أي علم من العلوم.. والمشوّهون يعرفون متى يروّجون نشراتهم وبياناتهم، وكيف يوزعونها على مختلف فئات المجتمع (العليا والدنيا) وعلى (شرائح الكتّاب القدامى والجدد) وخلق التبريرات لذلك، خاصة عندما تقترب مناسبة ما من موعد تجديدها أو ترميمها. ويحدث التشويه حالياً من قبل ضعاف النفوس والمفلسين النتنين في مجالسهم وعلى صفحاتهم التي يكرّسونها لتشويه سُمْعة الآخرين.

إن الواقع، وما فيه من خطوط تماس وخطوط حُمر.. ومن سلبيات وتشويهات وحُفر ومستنقعات آسنة بالأفكار المحمَّلة بالقاذورات والأوساخ، يكشف للرائي والسامع صاحب العينين الزرقاوين وصاحبة العينين العسليتين، أو من يرى بعين واحدة قلعها أحد الإرهابيين.. ومن في حكمهم من القاصرين والمعوقين والعجزة

هؤلاء جميعاً، رغم أنهم لا يقتربون من أسوار التشويه ولا يتبنّون سياسة التشويه، إلاَّ أنّهم يتعرضون بهذا القدر أو ذاك إلى تشويه سُمْعتهم ممن يسلكون طريقاً ملوثة بالكراهية أو سلوكاً عدائياً تشويهياً.

إن الكيدية هي أحد الأمراض القديمة تكوَّنت في رحم الماضي الغابر، ونمت ونضجت ثمارها حتى جاء موعد الولادة (الطبيعية أو القيصرية)، ولا فرق إذاً بين طريقتي الولادتين.. المهم، كيف تتم تربية الأولاد في الأسرة وفي المدرسة؟.. وكيف يجري تنبيههم ومراقبتهم كي لا يشوهوا سلوك زملائهم ورفاقهم خاصة في حالات التنافر التي كثيراً ما تحصل بين الأولاد؟.. وحتى الكبار الأصدقاء منهم والأقرباء عندما تتعرض علاقاتهم لأبسط الهزات وتنقطع شعرة معاوية، سرعان ما تحدث الانقلابات الغيرية والصدامات ويتدفق المخزون الذي حافظوا عليه في قلوبهم وذاكرتهم وكانوا يعتبرونه مخزوناً سرياً لا يمكن البوح به لأقرب المقربين.. لكن حدوث أية ثغرات تؤدي إلى هدم البناء الذي تأسس منذ سنوات أو عقود… وتصبح العداوة بين الطرفين أحد عناوين المرحلة الجديدة التي يمكم أن أطلق عليها اسم (مرحلة الخصومة).

إن التشويه يحمل دلالة معكوسة عن الواقع. وبمعنى آخر، يحمل دلالة قلب الحقائق بشكل معكوس. وعلى سبيل المثال: الإرهابيون التكفيريون القادمون من ثمانين دولة يحلمون ببناء (الدولة الإسلامية في سورية والعراق)، على أساس الشريعة الإسلامية.. فهم يشوّهون الدين الإسلامي.. والإسلام منهم براء، فهو دين التسامح والمحبة والسلام، وليس دين القتل والإرهاب والتخريب وقطع الرؤوس…

وعلى مستوى أعمق وأرفع هناك من يشوه مفهوم الدولة المدنية، فيختزل الحقوق السياسية للمواطنين، ويهمل الحقوق الاجتماعية والمطلبية والاقتصادية والثقافية والقومية.. وأكثر ما يحدث تشويه حقوق المواطنة في الدول النامية الشمولية، وبخاصة في الدول العربية الملكية والنفطية الخليجية الرجعية.

ويقع الدور التصحيحي لكشف التشويه وفضحه، عن قصد أو غير قصد، على الإعلام، فهو صاحب الدور الرئيس بذلك كما في الأزمة السورية، عندما كانت الفضائيات المعادية تزوّر الحقائق وتشوه ما يجري في الواقع وتحولها إلى أكاذيب من خلال الفيديوهات والمجسّمات وتركيب الصور وتزييفها.

وينتقل التشويه من العلاقات الثنائية والجمعية إلى أعلى المستويات.. ويبدو أن أعداد المشوهين يزداد يوماً بعد يوم وقد ساعدت ثورة الاتصالات على ذلك بشكل كبير جداً..!

العدد 1140 - 22/01/2025