أنا أستهلك… إذاً أنا مضروب!
بما أني أنتمي إلى شعب مولع بالأعياد والمناسبات، فقد سررت كثيراً بعدما علمت أنهم اخترعوا لنا عيداً جديداً هو (يوم المستهلك)، ولكن حين أعلنت الخبر على الملأ، ظن زوجي أن في الأمر حيلة نسائية، وسمعته يتمتم للأولاد قائلاً : (أعراض الزهايمر بدأت تظهر مبكراً على أمّكم…!) مما اضطرني لإبراز الدليل المادي، فاقتنع واعتذر بالقول : (صدقيني كنت سأشتري لك هدية: طاقم أدوات مائدة، يتضمن ملاعق ذهبية وصحوناً فضية لولا ضريبة الإنفاق الاستهلاكي الجديدة على الذهب والفضة والمجوهرات والمعادن الثمينة…) فرددت : (بما أن هناك ضريبة رفاهية على شراء الذهب، ألا يفترض وجود شيء معاكس عند بيع الذهب)؟ أنا أفهم أن من يفكر بالزواج حالياً – لا سمح الله – ثم يفكر فوق ذلك بشراء محبس ذهبي – لا قدر الله – عليه أن يدفع ضريبة فوق سعره الأصلي، ولكن ما حال الذي يبيع خاتمه الوحيد من أجل شراء برميل مازوت مثلاً، ألا يستحق تعويض (تعتير) مثلاً؟
المهم أننا عقدنا اجتماعاً عائلياً مغلقاً بهذه المناسبة العظيمة، رغم أننا لم نفهم الهدف منها : هل هو تشجيع الاستهلاك، أم الحد منه؟ فالأمر سيان عندنا، لأن العين بصيرة والجيبة قصيرة… وفي بداية الاجتماع قمنا جميعاً بترديد الشعار وهو(المستهلك هو الإنسان الذي يهلك نفسه من أجل الحصول على نصف حاجياته الضرورية)! ثم استعرضنا واقعنا الاستهلاكي وتأثير القانون الجديد على (رفاهيتنا)، فاكتشفنا أن التهام الخبز مازال خارج الإنفاق الاستهلاكي، وإن كانت بعض الوزارات تنظر الى عدد الأرغفة التي نتناولها، دون أن تصلي على النبي، بل يبدو أنها تفكر بأن تغير لنا هذه العادة المتخلفة – عادة تناول الخبز مع الطعام – لما لها من آثار مدمرة على الخزينة العامة. بعد ذلك أصدرنا بياناً عاماً أعلنّا فيه ما يلي :
بما أننا ما زلنا مستهلكين عاقلين من فئة (رغيف الخبز وفنجانين قهوة)، وبما أننا لن نفكر باستخدام الطائرات في تنقلاتنا، ولا الفنادق في إقامتنا، ولا المطاعم لنزهاتنا، ولا الساعات الذهبية لحساب أوقاتنا، فلا خوف علينا من ضرائب مهما طلعت أو نزلت. لكن أصغر عضو في الاجتماع وهو ابنتي ذات الثلاث سنوات قدمت مداخلة طالبت فيها بتفسير علاقة الشوكولا بالرفاهية! فأسكتناها بالقول إن هذا الكلام عيب، وعندما تكبر ستفهم… وأنا بدوري قلت لزوجي : صحيح ما علاقة الشوكولا بالرفاهية؟ أنا كبيرة، ويقال أن لا حياء في القانون، فأجبني. حينئذ اضطر للكلام، فقال إن علاقة الشوكولا بالرفاهية، هي علاقة جدلية ديالكتيكية، مثل علاقة الضريبة بالضرب، ألم تسمعي بالدراسات العلمية التي ربطت بين الشوكولا وهرمون السعادة، يعني كلما تناولت المزيد من الشوكولا زاد شعورك بالسعادة، والسعادة هي قمة الرفاهية. نعم، فهمت! قلت له، ولكن ألا تعتقد معي أنهم نسوا أن يضعوا ضريبة على البزر أيضاً باعتبار أن استهلاكه قد زاد مع انقطاع الكهرباء وقلة الشغل؟ ثم ما رأيك بضريبة على النوم؟ إن المواطن بدأ يكتشف هذه الرفاهية مؤخراً ويستهلكها بكثرة، وأظن أن الضحك يستحق أيضاً ضريبة رفاهية، وحبذا لو شملت أيضاً الحكي،وليس المقصود هو الحكي على الهاتف والخليوي لأن هذا لم ينسوه فهو ضمن جداول الضريبة الجديدة فعلاً،وإنما نقصد الحكي الذي نحكيه ببلاش، وحبذا لو ضاعفوا الضريبة على حكي الغزل لأنه قد يؤدي الى ما لا تحمد عقباه من نتائج بعيدة لها علاقة بزيادة الإقبال على الزواج وبالتالي زيادة النسل السعيد.
وفي نهاية الاجتماع قدمنا بعض الاقتراحات، منها أن تقوم الحكومة بتوزيع الشوكولا على المواطنين مع كل قانون جديد تصدره، وذلك من أجل أن نشعر بسعادة غامرة فلا نغصّ به، وشيء آخر هو أن تجعل من يوم المستهلك الذي يصادف الخامس عشر من آذار عطلة رسمية، وبذلك تخفف من استهلاكنا للسيارات الحكومية وللكهرباء والمياه والهاتف والورق وسندويش الفلافل وطق الحنك أيضاً. ما رأيكم؟