ما دون خصرها

بقدر، وربما أكثر أو أقلّ قليلاً، ما يبدو »الآخر«، مناقضاً وبعيداً بل وخصماً، أحياناً، لل»أنا«. بقدر ما يكون في الحقيقة مُشابهاً وقريباً وصديقاً، بل وشريكاً عضوياً لها.

فقد غصّت الدراسات والبحوث والأدبيات، بالنتائج والمعلومات التي تبيّن وتثبت بالدليل والبرهان، متانة وتشابكية وتناص وتلازمية وتبادلية، التأثير والتأثر وجدلية العلاقة، ما بين »الأنا« و»الآخر«.

ومع كل ذلك، يندر أن نودِّع نهاراً ونستقبل ليلاً، من دون أن »نُكحل« عيوننا وسنُثلجس صدورنا وسنغنيس معارفنا، بأن نلتقي في العمل.. في الشارع.. في المدرسة.. أو في البيت، بمَنْ يُفصل بينهما (بين الأنا والآخر) قولاً أو فعلاً أو بكليهما معاً، بمسافات وسماكات وارتفاعات.

جميلٌ هو الاعتداد بالنفس، ولازمة هي الثقة بها. شرط أن لا يتجاوزا حدودهما، ولا يتعدياها إلى الانتقاص من الآخر، أو إلغائه. خصوصاً وأنك تلتمُّ في »أناك« – جسداً وفكراً وطبعاً – على جينات مَنْ سبقك مِنْ زآخراتز. مثلما تتمثل »أناك« جينياً في سائر مَنْ يتلوك.

بيد أن لإلغاء الآخر أنواعاً ومستويات ودرجات. مثلما للأنا المُلغية أيضاً. فقد يعودان بنوعيهما، لإحدى السلطات: حكومية، اجتماعية، سياسية، ثقافية، اقتصادية، أيدولوجية، أو دينية..

أما لناحية المستوى والدرجة. فقد يبدأ إلغاء الآخر من تهميشه، إلى كفّ يده ثم كمّ فمه، وقد لا ينتهي بكتم أنفاسه!. وسواء مورس الإلغاء عن جهل، أو عن وعي، من قبل ذات »أنا« ما، جمعية أو فردية. على ذات »آخر«، جمعي أو فردي، فلن يختلف الأمر كثيراً مِنْ حيث النتيجة. فيما ينمو عُشب الاختلاف، على عتبات تقديراتنا الشخصية، لخلفيات الأفعال.

فأنت على سبيل المثال، قد لا تُنزل كثير لوم، على جاهل أرعن يحسب أنَّ من حقه ، التمتع بالتدخين وفصفصة البزر والتحرش، وسط حافلة، تزدحم بمختلف الركاب، من رجال ونساء وشيوخ وأطفال، ولو أنك تنزعج وربما تتأذى.

ولا تُسقط كبير عتب على امرأة حمقاء، تُصرح عن كامل ثقة وإصرار، أن كل أهالي ضيعتها، من الصغير للكبير، ومن الجاهل للمتعلم، ومن الغبي للذكي. لا يصلون، في الفهم والعقل والجمال، (إلى ما دون خصرها)، حتى لو وقع كلامها عليك وقع المطرقة. لكنك، لن تَعْذُرَ – ولو تفهَّمت الأسباب – وجيهاً وزعيماً ورئيس تنظيم. يشتم شخصيات معروفة، بوضعهم جميعاً تحت (صُبَّاطه)، حتى لو كانوا مناوئين أو خصوماً!

ولن تَغْفُرَ – ولو قَدَّرت الدوافع – لمتعلم بدرجة عالية، يترأس مِنبَراً ثقافياً، يصف شعبه (يقصد العامة طبعاً) وبثقة قَلَّ نظيرها، كأنه يصف شخصاً واحداً، بالقول: شعبنا غبي وجاهل، وصعب.. بل من المستحيل أن يتطور، حتى لو انطوى »ذلك المتعلم« على صفات جيدة وحسنات!

مِنْ تمظهرات الأنا والآخر

– »أنا ومن بعدي الطوفان« قال أحد المنتهزين.

– »أنا وأنت وبس يا حلاوتنا« قال مرسي جميل عزيز.

– قال الحلاج:

أنا مَنْ أهوى ومن أهوى أنا

نحن روحان حللنا بدنا

فإذا أبصرتني أبصرته

وإذا أبصرته أبصرتنا

العدد 1140 - 22/01/2025