مشاريع القوانين والظرف الراهن!

ناقش مجلس الشعب خلال الدور التشريعي الحالي، وأقر حزمة واسعة من مشاريع القوانين المحالة إليه من مجلس الوزراء، وهذا ما يُعده الكثيرون مؤشراً على جهود الحكومة في تنظيم البنية التشريعية وتطويرها لمجمل النشاطات الاقتصادية والاجتماعية والقانونية والإدارية في البلاد.

بعض التشريعات الجديدة جاءت تعديلاً لقوانين سارية، وذلك انسجاماً مع مواد الدستور، وبعضها الآخر تطويراً لقوانين أخرى كي تتوافق (حسب وجهة نظر الحكومة) مع رؤيتها الجديدة لمطارح هذه القوانين.

وإذا كان إسراع الحكومة إلى تعديل القوانين السارية انسجاماً مع الدستور مبرراً قبل انتهاء مهلة السنوات الثلاث التي حددها الدستور، فما هي الأسباب التي تدعو الحكومة إلى الإسراع في إحالة مشاريع قوانين تتعلق بقطاعات الإنتاج، والنشاطات الاقتصادية والاجتماعية في ظل ظروف استثنائية قد تترك آثارها على مضمون هذه القوانين وإمكانية تنفيذها؟

نحن مع تحديث جميع القوانين وتطويرها بما ينسجم مع كل مرحلة تطور تمر بها بلادنا، لكن القاعدة تذهب إلى تحديث هذه القوانين في أوضاع السلم والاستقرار ووضوح السياسات الاقتصادية، لا في زمن الحصار والغزو الإرهابي وخضوع بعض المناطق لنفوذ الإرهاب التكفيري، وقلق السياسات الاقتصادية بسبب الحصار الجائر وتراجع قطاعات الإنتاج وارتفاع مؤشرات البطالة والفقر والأمية.

إن معالجة الأوضاع الاستثنائية لا تحتاج إلى سن تشريعات اقتصادية واجتماعية جديدة، بقدر ما تحتاج إلى قوانين تصب في (اقتصاد الحرب) إلى حين نجاح المساعي السلمية لحل الأزمة السورية وعودة الاستقرار الذي يعد الشرط الرئيسي لانطلاق قطاعات الاقتصاد السوري المختلفة.

أما القوانين التطويرية فلنتركها إلى حين تطهير سورية من الإرهاب، وعودة الحياة الطبيعية إلى جميع مدنها ومناطقها.. فقد نحتاج حينذاك إلى مجموعة من القوانين التي تشرع لمرحلة إعادة البناء.

فلتؤجل مشاريع القوانين التي تتعلق بالاستثمار والتشاركية على سبيل المثال، إلى مرحلة لاحقة تتوضح فيها مرتكزات عملية الاستثمار، وتتوفر الإيرادات، وتزول العقبات التي تعيق مشاركة القطاع الخاص المنتج في المشاريع الحكومية، ولنركز اهتمامنا على القوانين التي تحتاج فعلاً إلى تعديل لمسايرة الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتأزم كمكافحة الفساد واستغلال بعض أثرياء الحرب لمعاناة الجماهير الشعبية وتسهيل إقراض القطاعات الإنتاجية، وخاصة الصناعيين والمزارعين، ومساندة الفئات الفقيرة والمتوسطة في هذه المرحلة الاستثنائية. لا نسعى هنا إلى تثبيط همة الحكومة، بل إلى تنشيط هذه الهمة، ولكن لكل ظرف همّته.

العدد 1140 - 22/01/2025